اكتشاف معنى أن تكون يهوديًّا

اكتشاف معنى أن تكون يهوديًّا

15 نوفمبر 2017

آفي غباي.. التزلف لليمين الديني القومي (1/11/2017/فرانس برس)

+ الخط -
كرّر الرئيس الجديد لحزب العمل الإسرائيلي المُعارض، آفي غباي، تصريحاتٍ تشكّل، في جوهرها، حتى وفق بعض التحليلات الإسرائيلية، بمثابة تزلّف لجمهور انتخابي يميني ديني - قومي، أعرب فيها عن تأييده إقصاء السكان العرب سياسيًا، وتأبـيـد بقاء المستعمرات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.
ولم يكن غباي أول من اخترع نزعة التزلّف لليمين من طرف ما يُعرف بـ"اليسار الصهيوني"، فعندما كانت عضو الكنيست، شيلي يحموفيتش، رئيسة لحزب العمل، قالت إنها لا ترى في المستعمرات الإسرائيلية خطيئةً ولا جريمة، وإن تسمية حزب العمل يسارًا هو ظلم تاريخي، وبعدما أصبح عضو الكنيست، يتسحاق هيرتسوغ، رئيسًا لهذا الحزب، قال "علينا التوقف عن إعطاء الانطباع بأننا دائمًا نُحبّ العرب".
غير أن الجديد في آخر تصريحات غباي بهذا الصدد كامن في أنها تفصح عن ماهية اللحظة التي اكتشف فيها معنى أن يكون يهوديًّا، حيث ورد فيها اعترافٌ منه باقتراف التهمة التي طوّح بها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في وجه حزب العمل قبل أعوام، وفحواها أنه نسي هويته اليهودية.
قال غباي، خلال مشاركته في ندوة عقدت الأسبوع الجاري في جامعة بئر السبع، إن "الجمهور العريض بدأ يشعر أنني أقترب أكثر فأكثر من القيم اليهودية. وهذا صحيح، فنحن يهود نعيش في دولة يهودية، وأعتقد أن إحدى مشكلات أعضاء حزب العمل أنهم ابتعدوا عن هذه القيم. وهذا ما يُقال عنّا في الشارع، أننا الآن ليبراليون فقط. وهو أمر غير صحيح، فنحن يهود، وعلينا أن نتكلم عن قيمنا اليهودية. كل شيء بدأ في توراتنا، وهي كانت وستظل الأساس لأي أجيالٍ ظهرت بعد ذلك".
إذًا، يقرّ غباي أنه كي يكون المرء يهوديًّا في إسرائيل ينبغي، قبل أي شيء، ألا يكون ليبراليًا، وأن يحظى بامتيازاتٍ محظورة لـ"غير اليهود"، ولا سيّما للعرب.
هذه الامتيازات هي ما يشدّد عليها نحو نصف السكان اليهود في إسرائيل، بموجب معطيات جديدة أظهرها بحثٌ شامل نشره المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، أخيرًا، بعنوان "شراكة محدودة الضمان: يهود وعرب". فهؤلاء يؤكدون أن اليهود يستحقون حقوقًا أكثر من العرب، وأن دولة الاحتلال ليست مُطالبةً بتحقيق المساواة في أي من مجالات الحياة المدنية، لكونها دولة يهودية. كما يعتقدون أنه إذا كان المرء يهوديًّا يمكنه أن يشتري قطعًا من الأرض، لا يحقّ لمواطن غير يهودي الحصول عليها، ويمكنه أن يقيم مستوطناتٍ على أراضٍ ليست ملكه، وأن يجول أيضًا في الضفة الغربية، وفي الطرق الالتفافية، حيث لا يحقّ للسكان المحليين التجوال بحرّية، وهم في داخل وطنهم.
ومثلما سبق أن كتب أكثر من باحث راديكالي، في مقدمهم المؤرّخ شلومو ساند، تُعرّف إسرائيل نفسها بأنّها "دولة يهودية"، أو حتى "دولة الشعب اليهودي" من أنحاء العالم كافة، غير أنّها على الرغم من هذا عاجزة عن تحديد من هو يهودي. وكل المحاولات التي أُجريت، في خمسينيات القرن العشرين الفائت، لتحديد العرق اليهودي من خلال البصمة، أو الاختبارات حديثة العهد الرامية إلى تمييز حمض نووي يهودي، باءت بالفشل. وعبثًا، حاول علماء صهاينة في إسرائيل وخارجها الإعلان عن "نقاوة وراثية" حافظ عليها اليهود على مرّ الأجيال، إلا أنّهم لم ينجحوا حتى الآن في تمييز اليهودي استنادًا إلى نموذج من الحمض النووي.
بناء على ذلك، التعريف الأوحد لمن هو يهودي، هو غير العربي! وجميع الأفعال المتراكمة الناجمة عن هذا التعريف مخصَّصة لاستهداف العرب لا أكثر.
على صلة بالبحث السالف، كتب صحافيّ أن مشجعي أحد فرق كرة القدم الإسرائيلية (بيتار القدس) كانوا في الماضي يستقبلونه لدى دخوله إلى أرض الملعب بنشيد مطلعه "هوذا قادم، الفريق العنصري للدولة". وعندما احتج بعضهم على فعلة إشهار العنصرية في هذه العبارة، تم استبدال الشطرة الأخيرة بـ"الفريق الصهيوني للدولة"، دليلًا على عدم وجود تباعد بين العنصرية والصهيونية.