اللجوء الفلسطيني الجديد.. من سورية

اللجوء الفلسطيني الجديد.. من سورية

14 نوفمبر 2017

شموع فلسطينيين في لندن لمخيم اليرموك في دمشق (15/1/2015/الأناضول)

+ الخط -
تطورّت الأزمة السورية التي بدأت في شهر مارس/ آذار 2011 إلى صراع دامٍ شمل الفلسطينيين المقيمين فيها لأسباب مختلفة، منها ما يتعلق بأطراف الصراع، وأخرى تتعلق بهم، مع أنهم ليسوا من أسبابها أو طرفاً فيها. لهذا عملت جهات فلسطينية لتحييد الفلسطينيين في هذا الصراع، لكن طبيعة قضيتهم واندماجهم في المجتمع السوري فرضا نفسيهما، مما جعلهم كالسوريين يعانون من تداعياته عليهم، من قتل واعتقال وخطف وتدمير وحصار وتهجير، فاضطروا مثلهم إلى النزوح من مناطق سكنهم التي تحولت إلى مكان للصراع الدامي، بحثاً عن مكانٍ آمن داخل سورية أو خارجها.

الوضع القانوني
يشكل القانون رقم 260 الصادر عن رئيس الجمهورية السورية بتاريخ 10/7/1956 القاعدة القانونية الناظمة لوجود الفلسطينيين، الذين لجأوا إلى سورية عام 1948، وأقاموا فيها، ويقدّر عددهم، عند بدء الأزمة، بحوالى نصف مليون نسمة، يقيم معظمهم في منطقة دمشق. واستنادا إليه، يحصلون على إقامةٍ مؤقتةٍ غير محدّدة بمدة زمنية، وعلى وثيقة سفر، وبشأن ما يخصهم على صعيد الأحوال الشخصية ما عدا الجنسية السورية. ولا تربطهم أية علاقة قانونية بالسلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله، ولا يمكنهم الحصول على أي وثيقةٍ شخصية صادرة عنها.
هذا الوضع القانوني الذي يتمتع به الفلسطينيون/ السوريون عند نكبتهم عام الـ 48 مكّنهم من إعادة بناء أنفسهم بكل ثقة وطمأنينة، ومن المحافظة على هويتهم الأصلية. فاندمجوا بالمجتمع السوري في مختلف مناحي الحياة، وباتوا أحد مكوناته الأساسية والفاعلة فيه. ولم يكن وجود مخيمات خاصة بهم انغلاقاً على ذاتهم، أو نتيجة رفض المجتمع السوري المضيف لهم، وإنما لأسبابٍ تتعلق بقضيتهم كلاجئين، عدا عن أن أكثريتهم تقيم في المدن والبلدات السورية.

اللجوء الجديد
لم يكن من السهل على الفلسطينيين/ السوريين أن يفرّوا من سورية، بقصد البحث عن مكان لجوء آخر، بعد أن تمكّنوا من إعادة بناء ذاتهم، وتمتعهم بسبل العيش الكريم والمستقر والآمن، وبعد اندماجهم بالمجتمع السوري على جميع الأصعدة الاجتماعية والسياسية والثقافية
والاقتصادية، وباتوا جزءاً منه وفاعلاً فيه. وأحدثت تطورات الأزمة السورية في منحى الصراع المسلح، وما ترتب عليه من تداعياتٍ على حياة عامة الناس ما ولّد الخوف على الحياة لديهم، التي باتت مهدّدة من جهات وأطراف الصراع المختلفة، وهذا ما دفع فلسطينيين/ سوريين عديدين إلى الفرار من سورية، والبحث عن مكان آمن جديد يقيمون فيه. فرّ بعضهم إلى البلدان المجاورة، وجزء آخر، إلى البلدان الأوروبية، لتكون بلد لجوئهم الثاني. لا توجد إحصاءات دقيقة لعددهم، وما يوجد هو تقديرات، وهي تفيد بأن أعدادهم تتجاوز 200 ألف نسمة، حتى أواخر العام الحالي (2017)، منهم حوالى 70 ألفاً في أوروبا.
يخضع الفلسطينيون/ السوريون الذين لجأوا إلى بلدان الاتحاد الأوروبي لقوانين اللجوء الخاصة بتلك البلدان، كغيرهم من اللاجئين، لا توجد لهم أية خصوصية، سواء في دراسة طلبات لجوئهم، أو في التعامل معهم. وتتوحد هذه البلدان في المبادئ العامة التي تعتمدها في تعاملها مع اللاجئين القادمين إليها، التي يتضمنها ما يعرف بـ "النظام الأوروبي المشترك للجوء"، الذي تبلور في تسعينيات القرن الماضي، وأهم مرتكزاته:
أولاً: اتفاقيتا الأمم المتحدة لعامي 1951و1954 الخاصتان بوضع اللاجئين وبروتوكول عام 1967 الملحق بهما، ويندرج الفلسطينيون/ السوريون ضمن حالة الأشخاص عديمي الجنسية (Stateless) التي عالجتها المادة 1 من اتفاقية 1954 (يعني مصطلح "عديم الجنسية" الشخص الذي لا تعتبره أية دولة مواطناً فيها بمقتضى تشريعها). وينطبق هذا التعريف عليهم كونهم لا يحملون أي جنسية، وإقامتهم في سورية إقامةً مؤقتةً، ويحملون وثائق سفر خاصة باللاجئين من البلد المضيف.
وتطبق على حالتهم البنود الواردة في الاتفاقيتين والبرتوكول، كغيرهم من اللاجئين القادمين إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، لقبول طلب اللجوء أو رفضه، استناداً إلى تعريف اللاجئ الوارد في اتفاقية عام 1951 المادة "1"، من دون تقييده بحد أول يناير/ كانون الثاني 1951 استناداً لبروتوكول 1967 الذي يتساوى في الوضع جميع اللاجئين الذين ينطبق عليهم التعريف الوارد في الاتفاقية من دون تقييده بزمن.
ثانياً: اتفاقية دبلن الخاصة بدول الاتحاد الأوروبي، وتعود بداياتها إلى تسعينيات القرن الماضي، وتدخل عليها التعديلات اللازمة حسب المستجدات. والغاية منها تنسيق التعامل الموحد في قضايا اللجوء ببلدانه، وتحديد الدولة العضو المسؤولة عن دراسة طلبات اللاجئين، والبت فيها من الناحية القانونية أو الإنسانية، وفق معايير تضمنتها هذه الاتفاقية. وأبرز ما جاء فيها:
1. تقع مسؤولية النظر في طلب اللجوء المقدم من أحد اللاجئين على أول دولة عضو يصل إلى حدودها، أو يوجد على أراضيها وتؤخذ فيها بصمته.
2. تحتفظ أي دولة عضو (وفقاً لقوانينها الوطنية) بحقها في إرجاع طالب اللجوء إلى دولته، إذا وجدت أنه لا يستحق منحه إقامة لجوء، وذلك طبقا لما تضمنته اتفاقية جنيف للاجئين عام 1951.
3. إذا كان طالب اللجوء قاصراً (تحت 18 سنة)، ولم يكن مصحوباً بأحد أفراد أسرته البالغين، وكان أحدهم موجوداً بشكل قانوني في دولةٍ عضو أخرى، فإنه تكون تلك الدولة، التي فيها أحد أفراد أسرته، هي المسؤولة عن البتّ في طلب لجوئه.
وبشكل عام، يتم قبول طلبات لجوء الفلسطينيين/ السوريين على غرار اللاجئين السوريين، شريطة أن لا تكون لديهم إقامة سارية المفعول في بلد آخر. وفي حال قبول الطلب، يمنح صاحبه إقامة مؤقتة، مدتها تختلف من بلد إلى آخر، قابلة للتجديد تبعاً للتطورات السياسية والميدانية في سورية. ويمكن للاجئ الفلسطيني/ السوري الذي حصل على الإقامة المؤقتة في البلد المضيف أن يحصل على جنسية هذا البلد، ولكل دولةٍ من الاتحاد الأوروبي شروطها الخاصة، لحصول المقيم فيها على جنسيتها، وأهمها: نوع الإقامة ومدتها، العمل، مستوى محدد من اللغة.

قضايا وتحديات
يتمتع اللاجئ الفلسطيني/ السوري بحقوقٍ تساويه بمواطني تلك البلدان، من حيث العمل والتعلم والصحة، بعد حصوله على الإقامة المؤقتة، ويخضع لبرنامج الاندماج، ويبقى تحت رعاية جهة حكومية، تقدم له المساعدة الاجتماعية والمشورة، إلى حين انخراطه بسوق العمل. وعلى اعتبار أنه حصل على إقامة لاجئ من فئة عديمي الجنسية، (Stateless) فإن إقامته لا ترتبط بتطور الأوضاع في سورية، والمجال مفتوح أمامه للحصول على جنسية البلد الذي يقيم فيه، بالتالي سيكون في وضع مستقر وآمن.

اللجوء الفلسطيني الجديد مختلف عن اللجوء الكبير، لجوء نكبة 1948، فهو لجوء إلى عالم آخر، له حضارته وثقافته، هو لجوء إلى بيئة اجتماعية جديدة، لها عاداتها وتقاليدها ونظامها القيمي. يضع هذا الوضع المستجد الفلسطيني أمام قضايا جديدة، هي بمثابة تحديات مطروحة عليه.
تعترف الدول الأوروبية جميعها بدولة إسرائيل، وداعمة لها، ولا تعترف بحق الفلسطيني بالعودة إلى دياره الأصلية، وللوبي الصهيوني حضوره القوي في الشارع الأوروبي، وفي أوساط القوى السياسية الرئيسية التي لها دورها في تقرير السياسة العامة في بلدانها. أما المؤسسات المؤيدة للقضية الفلسطينية فهي محدودة في وجودها، ولا دور مؤثراً لها في السياسة الأوروبية. ويضاف إلى هذا ضعف المؤسسات الفلسطينية، وعدم قيامها بالدور المطلوب تجاه اللاجئين الفلسطينيين الجدد. هذا ما يبقيهم وحدهم في مواجهة وضعهم الجديد، بكل قضاياه وتحدياته، ولا وسيلة لهم إلا الاعتماد على أنفسهم أولاً، وعلى إمكاناتهم الذاتية.
وفي جميع الحالات، للجوء الجديد تداعياته على صاحبه وقضيته باعتباره لاجئا فلسطينيّاً، هنا بعضها:
1. الحصول على الجنسية يلغي صفة اللاجئ عن الفلسطيني السوري، لكنه لا يمس حقه في العودة، واستعادة ممتلكاته والتعويض عن خسائره والمعاناة، ذلك لأن هذا الحق في القانون الدولي فردي مبني على حرية الاختيار، ولا يسقطه حصول صاحبه على جنسية بلد ما.
2. يبقى الفلسطيني/ السوري محافظاً على قيوده الشخصية في سورية، مهما كان وضعه في البلدان الأوروبية، ولو حمل جنسيتها، ويبقى خاضعاً لقوانينها، وكذلك على قيوده في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا).
3. سينعكس اللجوء الجماعي للفلسطينيين/ السوريين إلى أوروبا سلباً على حق العودة بوصفه حقا جماعيا، وهو ما أبقى قضية اللاجئين الفلسطينيين حاضرة على المستوى الدولي، ومطالَباً بحلها وفق مبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
4. ستتأثر مكانة أحد عناوين قضية اللاجئين الفلسطينيين، وأهم مرتكزاتها في الشتات الفلسطيني، وهم الفلسطينيون / السوريون، ودورهم المهم والمميز في هذه القضية.
5. ربما تتخذ "أونروا" إجراءات في المستقبل لشطب قيود الذين غادروا سورية، خصوصا أن لديها أعدادهم عن طريق اشتراطاتها لتقديم المساعدات لهم، ولا سيما المساعدات المالية.
والتحدي الأساسي الذي سيواجهه الفلسطينيون/ السوريون هو اندماجهم في المجتمعات المضيفة لهم، والمحافظة على هويتهم الأصلية، وانتماؤهم لقضيتهم وشعبهم. ولن يكون هذا سهلاً، فليس في الوثائق التي تعطى لهم من البلد المضيف ما يشير إلى موطنهم الأصلي، أو أنهم من أصول فلسطينية، والأطفال والجيل الناشئ والشاب سيتلقون تعليمهم في مدارس تلك البلدان وجامعاتها، بلغات هذه البلدان ومناهجها الدراسية، وليس فيها ما يعرّفهم بهويتهم أو قضيتهم. وهذا التحدّي معنية به أولاً الأسرة، ثم المؤسسات الفلسطينية. ومواجهته والتصدي له مسؤولية مشتركة ومتكاملة بين الطرفين، الأسرة والمؤسسات، وتسهّل التعاون بينهما مهمة كل منهما على هذا الصعيد وتقوّي دوره.
ومن المسائل المهمة على هذا الصعيد، التي هي في حاجة إلى حل هي كيفية محافظتهم على قيودهم الشخصية في سورية، وتحديثها باستمرار على ضوء التغيرات التي تقع، مثل الولادة والوفاة والزواج، وكيفية تحديث قيودهم في "أونروا"؟
ويمكن القول إن مستقبل اللجوء الفلسطيني الجديد إلى أوروبا مفتوحٌ على احتمالات مختلفة، لكن جميعها تؤسس على قضية الاندماج في المجتمعات المضيفة، أي مدى انخراطهم في مختلف مناحي الحياة، بدءاً من تعلم لغة هذه المجتمعات، والتفاعل معها، واحترام عاداتها
وتقاليدها إلى الانخراط في سوق العمل والحياة السياسية... على ضوء هذا؛ فإن الاحتمال الأول أن يندمجوا في المجتمع المضيف، ويعيدوا بناء ذاتهم من جديد، مستفيدين من الفرص المتاحة لهم، وهي تمكّنهم من ذلك، مع المحافظة على هويتهم الوطنية وانتمائهم لشعبهم ولقضيتهم. والثاني أن يحقّقوا ذاتهم ويتخلوا عن روابطهم بهويتهم الأصلية الفلسطينية لصالح الهوية الجديدة الأوروبية، أي الذوبان فيها. والاحتمال الثالث أن ينغلقوا على أنفسهم، ويبقوا على هامش المجتمعات المضيفة لهم، ويعتمدوا على المساعدات التي تقدم لهم. والاحتمالات الثلاثة ممكنة وواردة، لا يمكن استبعاد أيٍّ منها، ولا يوجد أي رابط بين تحقيق الذات والاندماج في المجتمع الجديد والمحافظة أو التخلي عن الهوية.
مستقبل اللجوء الفلسطيني الجديد في البلدان الأوروبية مرتبط بأصحابه، أولاً وأخيراً، وإمكانية أن يكون إضافة للحركة الوطنية الفلسطينية واردة، ويكون أحد مكوناتها، وليس فقط داعماً لها. ولهذا مقوماته وشروطه، بعضها متوفر وبعضها الآخر مرهون بأصحاب هذا اللجوء، وهو ما نتطلع إليه ونعمل من أجله، وأن يكون هذا اللجوء الجديد مجرد تغير في مكان اللجوء الفلسطيني، وهو يحتاج إلى جهود جميع من لديهم هذا الطموح.