‮‬المغرب.. ‬من تناوب بلا بديل إلى بدائل بلا تناوب

‮‬المغرب.. ‬من تناوب بلا بديل إلى بدائل بلا تناوب

10 أكتوبر 2017
+ الخط -
مرت سنة علي‮ ‬تشريعيات 7 أكتوبر المغربية،‮ ‬والتي‮ ‬أعطت فوزا واضحا لحزب العدالة والتنمية،‮ ‬وقائده عبد الإله بنكيران‮ الذي‮ ‬كان‮ ‬يرأس الحكومة‮ ‬قبل الانتخابات‮. ولعل ‬هذا‮ ‬يحدث للمرة الثانية في‮ ‬تاريخ المغرب السياسي‮ ‬المعاصر،‮ ‬والتي‮ ‬يعود فيها الحزب الذي‮ ‬يقود الحكومة في‮ ‬ولايةٍ سياسيةٍ مثقلة بالمضامين والانتقالات،‮ بعد تجربة ‬زعيم الاتحاد الاشتراكي‮ ‬للقوات الشعبية،‮ عبد الرحمن اليوسفي، ‬الذي‮ ‬قاد تجربةً حكوميةً مفصلية في‮ ‬تاريخ المغرب،‮ ‬من سنة‮ ‬8991 ‬إلى سنة 2002، ‬والتي‮ ‬شهدت تصدره النتائج التشريعية‮. وهي‮ ‬المرة الثانية التي‮ ‬لا‮ ‬يعود فيها زعيم سياسي‮، ‬بَصم تجربة سياسة وحكومية ببصمته، إلى دفة التدبير‮ ‬الحكومي‮.‬
وخارج هذه الثنائية،‮ ‬التي‮ ‬يمكن أن نسرد فيها سلسلة لا نهائية من‮ "‬المصادفات البنيوية‮"‬،‮ ‬هناك تحولات أعمق تحصل‮ ‬غير الذي‮ ‬يطفو علي‮ ‬سطح العين المجردة‮، فقد خرج‮ ‬المغاربة،‮ ‬في‮ ‬ما بعد‮ سنة 1102 ‬التي‮ ‬عرفت تظاهرات الربيع العربي‮ ‬الشهيرة،‮ ‬من زمن سياسي،‮ ‬بشارعه ودستوره وانتخاباته‮ ‬ودولته،‮ ‬خرج‮ من معادلة‮ٍ‮ ‬كان شعارها‮ ‬المغرب في‮ ‬حالة‮ "‬تناوب بلا بديل‮.."،‮ ‬كناية عن وجود قوى سياسية جديدة قوية ومعبأة‮، هي‮ ‬حزب العدالة والتنمية‮، ‬بدون وجود بديل في‮ مثل قوتها‮، إلى مرحلة‮ ‬يبدو أن‮ ‬النخبة التي‮ ‬شكلت البديل،‮ ‬في‮ ‬تلك الفترة‮، ‬أي‮ ‬ما بعد‮ 1102، ‬لم تستطع أن تتحول إلى نخبةٍ للتناوب الدائم. وبعبارة أخرى‮، ‬يشعر الرأي‮ ‬العام السياسي‮ ‬المتابع‮ أن المغرب خرج من صدمة‮ "‬تناوب بلا بديل‮"، ‬وانتقل‮ ‬إلى‮ ‬مفارقة جديدة مفادها بأن‮ "‬نخبة‮ ‬البديل، في‮ ‬ما بعد‮ ‬1102، عاجزة أن تكون نخبة التناوب‮". ‬لهذا كان الخيار الواضح‮ وجود توليفة سياسية، تجعل من نخبة‮ ‬الإسلاميين جزءا بسيطا من نخبة الحكم، لا‮ ‬نخبة البديل الجديد‮. ويمكن أن نؤطر الكتابة في‮ ‬الموضوع بثلاثة سياجات منطقية‮:‬
أولا، كان الشعور العام،‮ ‬ولعله‮ ‬ما زال‮، ‬أن البلاد تتخوف من مقولة جعلتها موازين القوى 
المختلة ‬التوصيف الوحيد الممكن لما جرى من بعد‮ ‬2011، ‬بعد اندماج العقدي‮ ‬في‮ ‬السياسي‮،‮ ‬ووصول الإسلاميين إلى الحكومة،‮ ‬على قاعدة دستور واسع التشاركية‮. وكانت العبارة هي‮ ‬أننا ‬وصلنا إلى‮ ‬مأزق‮ ‬السياسة‮، لأول مرة‮، ‬مصحوبا بمأزق مجتمعي،‮ ‬وليس فقط نتيجة مآزق النظام‮ ‬السياسي، ما‮ ‬يعني‮ ‬أن المجتمع أفرز قوة سياسية جديدة‮،‮ ‬تطرح تأزيما على نخبة المجتمع نفسها‮،‮ ‬تمتاز،‮ ‬كما أشار أحد قادة الاتحاد التاريخيين‮،‮ "‬بما تميزت به الحركة الوطنية نفسها من قوة أخلاقية‮ ‬وسياسية، لا تستمدها من الدولة،‮ ‬بل من مشروعها الخاص، وقوة حضورها المجتمعي‮"، ‬كما تطرح المشكلة على الدولة‮‮ ‬التي‮ ‬رأت النور، وترعرعت وخاضت كل صراعاتها تحت ظلال‮ ‬الوطنية الديموقراطية‮.‬
ثانيا، ‬وصلت نخبة جديدة لم تكن شريكة في‮ ‬التعاقدات‮ الوطنية التأسيسية،‮ (‬ومن ذلك وثيقة المطالبة بالاستقلال لسنة 4491‬،‮ ‬والتي‮ ‬دعت الي‮ ‬الحرية وبناء الديموقراطية في‮ ‬الآن نفسه‮‬،‮ ‬والتوافق الوطني‮ ‬الكبير في‮ ‬1975‮‬من أجل الدفاع عن وحدة المغرب الترابية‮،‮ ‬ولا سيما تحرير الصحراء، بما تطلبه ذلك من تفاوض حول المسلسل الديموقراطي‮)‬،‮ مما تم اعتباره تحديا مزدوجا على الدولة، وعلى النخبة الوطنية الديموقراطية‮.
ثالثا، التشكيلة السياسية التي‮ ‬أعقبت‮ ‬2011،‮ ‬لم تستمر‮،‮ ‬بالتعريف السياسي‮ ‬لها، ‬والذي‮ ‬دبر السنوات الانتقالية،‮ ‬بل اتضح أن التشكيلة السياسية مغايرة من حيث منطقها،‮ ‬الذي‮ ‬يقوم‮،‮ ‬ليس على تدبير إفرازات التغيير الذي‮ ‬طاول‮ ‬الدولة والنخبة والنموذج الديموقراطي،‮ ‬بل على تدبير امتدادات ما بعد الربيع المغربي‮ في العام 1102.
‮وفي‮ ‬هذا السياق،‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن ندبر الربيع العربي،‮ ‬بدون أن نتدبر تونس ومثالها،‮ ‬بعيدا عن الكليشهات التي‮ ‬تجعل النموذج‮ ‬يغري‮ ‬في‮ متحكمه السلطوي‮، ‬حقا أو التباسا‮، بل ما هو بادٍ‮ ‬للعيان من أن‮ ‬الوجهين الأساسيين للعملة‮، ‬حزب‮ ‬النهضة‮ ‬بزعامة تاريخية لراشد الغنوشي‮ ‬وحزب‮ نداء تونس ‬بزعامة نظامية للباجي السبسي،‮ ‬يستقران في‮ ‬الحكومة في‮ ‬الفترة الثانية، وبعد التعديل الذي‮ ‬جرى في‮ ‬الآونة الأخيرة.
‮هو‮ ‬ما‮ ‬يشبه التسوية التاريخية بدون عقدة إيديولوجية، ولكن بسلم قيم اجتماعي‮، ‬وبمعنى آخر 
تحالف استراتيجي‮ ‬لتدبير السلم الاجتماعي‮. ‬والملاحظ اليوم في‮ ‬تونس أن‮ ‬الحذر باق‮ على المدى المتوسط‮، لكن العداء تراجع‮، حتى في‮ ‬أقوى جبهات الحداثة‮ (لإرث والزواج‮) ‬لم‮ ‬يتصارع الضدان،‮ ‬بقدر ما تواعدا على تناول مؤسساتي،‮ ‬لقضية طاعنة في‮ ‬العقيدة‮!‬ ويبدو‮ ‬أن الهاجس المركزي‮ ‬هو تقوية دور الدولة والفاعل المركزي‮ ‬في‮ ‬تدبير السلم السياسي، على شيء آخر من قبيل تدبير الربيع التونسي‮..‬
في‮ ‬تونس أيضا،‮ ‬نتابع‮ ‬تقوية النظام الرئاسي‮ ‬البورقيبي‮ ‬القديم‮. ‬نتابع عودة مفكّرا‮ ‬فيها،‮ ‬إلى ‬المفاهيم المؤسسة للدولة الوطنية‮ ‬ما بعد الاستقلال‮: ‬هيبة الدولة‮ (وإن كنت لا أحب هذه الكلمة‮)، ‬وإعادة بنائها‮، مع الحفاظ على دستورية الممارسة السياسية‮.‬
يحق لنا‮، ‬مع استحضار الفارق في‮ ‬طبيعة النظام‮ وفي‮ ‬طبيعة الدولة في‮ ‬البلدين معا أن نتساءل‮: ‬أليس ممكنا أن‮ ‬يتقاطع تدبير الدولتين،‮ ‬في‮ ‬تونس والمغرب، لمرحلة‮ ‬ما بعد‮ ‬التغيير العميقة،‮ ‬كما تقاطع تفاعل الشارعين،‮ ‬المغربي‮ ‬والتونسي‮ ‬معا، في‮ ‬حركية المطالبة بالتغيير؟
خلاصة أولية بشأن ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬المغرب،‮ ‬بعد سنة من تشريعيات‮ ‬غير مسبوقة‮:‬ هناك‮ ‬انهيار‮ عميق للمنظومة الحزبية،‮ ‬وعودة أزمة الثقة‮،‮ ‬لأول مرة‮ ‬يتم التعبير عنها في‮ ‬خطاب للعرش،‮ ‬يجعل الملك‮ ‬يقول‮ "‬ليست لدي‮ ‬الثقة في‮ ‬بعض السياسيين‮"‬،‮ ‬وعجز‮ نخبة‮ ‬العرض السياسي‮ ‬الجديد‮ (‬الإسلاميون‮) ‬إلى‮ ‬التحول إلى نخبة للبديل الدائم،‮ ‬وتباطؤ في‮ ‬الخروج من الجمود السياسي،‮ ‬سواء‮ في‮ ‬الكيان البرلماني،‮ ‬أو في‮ ‬الجهاز الحكومي‮ ‬أو حتى الوسائطي‮ العام‮، ما‮ ‬لم‮ ‬يسبق حدوثه،‮ ‬ولعله‮ ‬يطرح بالفعل مصير الدولة ومآلها برمتها،‮ ‬كيانا وجهازا أيضا‮!‬
768EA96E-E08E-4A79-B950-D8980EE5911C
عبد الحميد اجماهيري

كاتب وشاعر وصحفي مغربي، مدير تحرير صحيفة الاتحاد المغربية، مواليد 1963، عمل في صحيفتين بالفرنسية، من كتبه "أوفقير .. العائلة والدم.. عن انقلاب 1972"، ترجم كتابا عن معتقل تازمامارت. مسوول في فدرالية الناشرين المغاربة.