سلاح المقاومة.. عقدة المصالحة الفلسطينية

سلاح المقاومة.. عقدة المصالحة الفلسطينية

10 أكتوبر 2017
+ الخط -
الخلافُ حول سلاح المقاومة ظاهر، بين الطرفين، حركة حماس والسلطة الفلسطينية. وقد بادرتْ إليه التصريحاتُ المتناقضة، حتى والفصل الحالي من المصالحة في بداياتِه، إذ قال الرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس، "نريد في غزة، كما في الضفة الغربيَّة دولةً واحدة، بسلاح واحد". ولوّحَ بملاحقة مَن يُصرُّ على الاحتفاظ بسلاحٍ خارج إطار السلطة، وقال" لو شخص مِن حركة فتح في الضفة حامل سلاح غير السلاح الشرعي سوف أعتقله، وهذا ما سأعمد إليه في غزة، يجب أن يكون السلاح شرعيا واحدا"، وأكّد أنَّه لن يستنسخ تجربة حزب الله في لبنان.
أما رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنيَّة، فقال إنَّ سلاح المقاومة مِن حقِّ شعبنا، طالما وُجِد الاحتلال على أرضنا، وسيبقى موجودًا، ما دام الاحتلال قائماً في فلسطين، لكنّه أبدى استعداد الحركة للتحاور مع الفصائل الفلسطينية، وحركة فتح على توحيد قرار الحرب والسلام.
هنا السؤالُ، والآن، ليس عن حلِّ هذه المعضلة التي قد تغدو عقدةً في منشار المصالحة، ولكن عن توقيت استحضار هذا الخلاف، وهذا التوقيت، نظرا لصعوبة هذا الخلاف، وعمقه، يُعَدُّ من أهمِّ المؤشِّرات على مقادير الجِديَّة، لدى السلطة الفلسطينية، ولدى الجهات الراعية للمصالحة، عربيًّا، وهي مصر، وحتى دوليًّا، فيما بدا ترحيبا أميركيَّا، وغربيًّا، باستعادة قطاع غزة إلى حُكْم السلطة الفلسطينيَّة، بقيادة أبو مازن.
من المقبول، واقعيًّا، إذا صدقت النِّيّات، أنْ تمضي المصالحة نحو الأمور الأكثر حيويّة، لرفع 
المعاناة، أو تخفيفها، عن المواطن الفلسطيني الغَزيّ، الذي ناء بضغوط بالغةِ القسوة، على مدار سنوات الحصار، واشتدّت، في الفترة الأخيرة، عقِبَ تشكيل "حماس" اللجنة الإدارية؛ حتى لا تخيب آمالُ الناس مُجدَّدا، في فتح المعابر، ورفع الحصار، وإنهاء سياسة العقوبات الجماعية، وحلِّ مشكلات حيويَّة، كالكهرباء، والمياه، وإعادة إعمار ما دمَّرته عدواناتُ إسرائيل. ومن المقبول، واقعيًّا، على الجهة المقابلة، أنْ تتعجَّل السلطةُ استلامَ كامل الصلاحيَّات في غزة، وتمكين الحكومة، كما اشترط أبو مازن لرفع إجراءات السلطة الأخيرة ضدَّ غزة، بشكل كامل من المعابر والأجهزة الأمنية والوزارات، وهي الإجراءات التي فاقمت من حدَّة الأزمة المعيشيَّة في غزة؛ بسبب حجب رام الله احتياجات ماليَّة ضروريَّة عنها.
فما الخيارات تجاه سلاح المقاومة؟ هل في وسع السلطة، والآن بالذات، أن تُعيد سيرتَها الأمنيَّة الأولى في غزة؟ وهل يَحتمِل وضعُ غزة، الآن، أو قريبا مثل هذه المواجَهة؟ وهل تحتمل حركةُ حماس التي قَبِلَتْ أن يطاول التعديلُ، في ميثاقها الجديد، أمورا ليس منها صفتها المقاوِمة، هل تحتمل بعد توسُّع بنيتها العسكرية، وتطوّرها النسبيّ هذا التعاطي الرافض لسلاحها من الأساس؟
ولماذا يُرفَض، أميركيًّا، وبالطبع إسرائيليًّا، ومن ثَمَّ، فلسطينيًّا، على لسان عباس، مقاربةُ وضْعِ "حماس" في غزة، بوضع حزب الله في لبنان؟ مع فارقٍ جوهريٍّ لصالح "حماس"، وهو استمرار إجحاف الاحتلال الإسرائيلي المحتلّ، واستهتاره بالحقوق الفلسطينية، على نحو أوضح وأكبر بكثير ممّا يفعل مع لبنان الذي تقبل واشنطن والدولة الغربية، من دولته، إشراكَ حزب الله فيها، على احتفاظه بسلاحه، بل، على تعاظُم قوَّته بأسلحة نوعيَّة، وترسانة أضخم.
والصحيح أنَّ إقصاء "حماس" سياسيًّا، أو سُلطويًّا، وإلزامها تحوُّلاتٍ مفاجئة، وبالغة العمق، من قبيل الاعتراف بإسرائيل، وشروط الرباعيَّة الدولية، كما تريد واشنطن، ثمنًا لاعترافها، بأيّ حكومةٍ تشارك فيها "حماس"، أهوَنُ من اقتحام صفتها الأخصّ، والألصق، وهي المقاومة، إذ يمكن للحركة الإسلامية أنْ تتجنَّب الدخولَ في الحكومة، وأنْ تقبل بحكومة وفاق، أو تكنوقراط، ويمكن لها، مستقبلا، أنْ تنضوي في أُطُر منظَّمة التحرير التي تعترف بإسرائيل، مع احتفاظها بسماتٍ خاصَّة، بهامشٍ ما، فكريًّا، وسياسيًّا، لكنَّ تقويض "حماس" الفعلي، وتحويلها إلى مجرَّد حزبٍ سياسي، يصعب أن يتمّ، ولا سيّما في ظلّ انسداد طريق المفاوضات. وهو الأمر الذي لم ينكره أبو مازن في تصريحاته أخيرا؛ إذ لم يُمَنِّ الفلسطينيين بأيِّ أوهام، مع حكومة إسرائيليَّة يمينيَّة مُتعنِّتة، لا تقبل بدولة فلسطينيَّة، بل لا تقبل بوجود الشعب الفلسطيني نفسِه، كما قال.
قد تقبل "حماس" توحيد خيار الحرب والسِّلْم، وقد تقبل تعايش المسارات، أي التعايش مع استبقاء خيار التفاوض، والنشاط السِّلْمي، وقد بدَر منها تثمينٌ لإنجازاتٍ حقّقتها السلطةُ الفلسطينية، في المحافل الدولية، كما أنَّها أحبَّتْ أن تَسبِقَ المصالحةُ خطابَ عباس في الأمم المتحدة، لمَنْحِه مزيدًا من القوَّة.
ومن الممكن، في أقلِّ التقديرات، أنْ يُترَك زخَمُ المصالحة، وثبوتها، وصيرورتها، على أرض الواقع، لتشكِّل أرضيّةً تُتيحُ تناوُلَ مسائل أكثر تعقيدا واستعصاء؛ ذلك أنَّ من شأن مجرّد 
استدعاء هذا الملفّ، الآن، إلى طاولة الحوار، أن يعود بالأمورِ والجهودِ القهقرى، وهذا لا يخدم مصر، إذا كانت معنيَّةً بتحقيق نجاحاتٍ تُعيدُ إليها بعضَ الحيويَّة التي فُقِدتْ، عربيًّا، وإقليميًّا، ولا يخفى أنَّ ظهور نتائج ملموسة للمصالحة، وجريانها إلى مراحلها اللاحقة، ممّا تحرص عليه مصر؛ لإعادة تفعيل دورها الإقليمي، ولو في هذه الجزئيَّة المُهمِّة، ولو أنَّ أزمات مصر الداخليَّة الطافية لا تغطّي عليها، أو تحلّها، نجاحاتٌ خارجيَّة، ولو أنَّ نجاح مصر الخارجي، واستعادتها دورَها الإقليميَّ المؤثِّرَ محتاجٌ، عضويًّا، إلى ائتلافٍ داخلي، واستقرار، ولو في حدِّه الأدنى.
وتقف الاشتراطاتُ الأميركيَّةُ المُسبقة، كما الإسرائيليَّة الاحتلاليَّة، شبَحًا يستبِقُ الآفاقَ الأخيرة، ويصادر الإرادةَ الفلسطينيَّة الشعبيَّة، حين تُسقِط مُكوِّنًا فلسطينيًّا، يحظى بتمثيل شعبيٍّ أقرّته نتائجُ انتخاباتٍ بإشراف دولي.
ويبدو الانسياق وراء هذا المطلب، وهو تجريد "حماس" والمقاومة من سلاحها، أقربَ إلى التمنِّيات الإسرائيليَّة، إذ يرفض رئيسُ حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو هذه المصالحةَ التي يراها "زائفة"، ما لم تتمثّل تصوراتِه، وهي "الاعتراف بدولة إسرائيل، وتجريد الجناح العسكري لحماس من السلاح، وقطع العلاقة مع إيران". ومِن شأن الاستجابة إلى هذه الاشتراطات إحباطُ الجهود، بل نسفها من أساسها، ومِن شأن التلبُّس في مواجهة مستقبليَّة مع "حماس"، لنزع سلاحها، من دون حوار، أو توافق، فيما لو تمكنَّت حكومة الوفاق في غزة، من شأن ذلك أن يُشرِفَ بالوضع الفلسطيني إلى المُربَّع الأوَّل، وهو الصدام. والصحيح أنّ أمورا من هذا القبيل لا يليق بها التفرُّد، والاستجابة إلى الإملاءات الخارجيَّة، بقدر ما تحتاج إلى الوقوف على تطلُّعات الشعب، والاستئناس برأيه، من خلال مؤشِّرات الانتخاب والتمثيل.