رسائل السلَّم المتحرّك

رسائل السلَّم المتحرّك

10 أكتوبر 2017

بوتين والملك سلمان في الكرملين (5/10/2017/Getty)

+ الخط -
لم تبدأ المملكة السعودية علاقاتها مع روسيا، إلا بعد انهيار المعسكر الشرقي بشكل كامل، وانفراط العقد الشيوعي، عندها فقط افتتحت المملكة أول سفارة لها في موسكو، لكن العلاقة بين البلدين لم تتجاوز تبادل السفارات. وعلى الرغم من أن الاتحاد السوفيتي كان أول دولة تعترف بمملكة نجد والحجاز (الاسم القديم للسعودية)، إلا أن العلاقات توقفت تماماً فيما بعد، وتحولت قطيعة مطلقة.
على العكس من ذلك، كانت العلاقة السعودية الأميركية قوية باستمرار، إذ دأب رؤساء الولايات المتحدة الأميركية على زيارة المملكة العربية السعودية، منذ عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، في زيارة واحدة لكل رئيس على الأقل.. التواصل الذي لم ينقطع، للمملكة السعودية مع مؤسسة الرئاسة الأميركية، يعكس شكلاً وثيقاً ومصادقةً مستدامة على وضعية المملكة المميزة لدى السياسة الأميركية.. تعاظَمَ شكلُ هذا التواصل بعد الثورة الإيرانية، وردّت المملكة الجميل الدبلوماسي بعقود سخية، واتكال شبه كامل على أميركا في التسليح والدعم الدبلوماسي، ولكن همّ الحكومة السعودية كان، بالدرجة الأولى، تأمين وضعها الداخلي، وكانت سلامة التاج الملكي نقطة تركيز قصوى في التعامل مع أميركا.
لم تتجاوز العلاقات الأحدث للسعودية مع روسيا فتح السفارات، أو الشكل التقليدي لتعامل الدول التي لا تهتم بتقوية الروابط بينها، لكن السعودية انتبهت، أخيراً، لتأثير روسيا الدولي الكبير، فجاءت زيارة الأيام الأربعة التي قام بها الملك سلمان إلى الكرملين، وسبب الزيارة في الغالب تعاظم التغلغل الروسي في الإقليم، وتداخله المؤثر في سير الحدث السياسي والعسكري.. لم تنس السعودية أن تبعث تطمينات إلى الصديق الحميم خلف الأطلسي، إذ أرسلت إلى واشنطن طلب شراء منظومة دفاع صاروخي، ثمنها عشرات المليارات، ووافقت أميركا على الطلب بكل سرور.
لم يؤثر التوقف "الفني" للسلم الكهربائي الذي حمل العاهل السعودي من الطائرة إلى أرض مطار موسكو، فقد سارت الزيارة كما هو مخطط لها بتوقيع توافقات وتفاهمات وسياسات كثيرة، وتحصيلاً لحاصل صفقات سلاح باهظة الثمن، وهو نوع من التعامل، تجيده السعودية بشكل خاص.
تعرف السعودية عمق العلاقة الروسية الإيرانية، ومن غير المؤكد أن زيارةً من هذا النوع، وإن اتخذت عنوان "زيارة تاريخية"، ستوثر سلبيا على تلك العلاقة، خصوصاً أن طبيعتها نوقشت، وبشكل نهائي، مع إسرائيل في عدة زياراتٍ، تم تبادلها بين رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وكانت أيضاً موضع تفاهم بين روسيا وأميركا. وعلى الرغم من أن ترامب يتململ علناً من الاتفاقية التي تجمع بلده، وعدة دول أوروبية، مع إيران بشأن الأسلحة النووية، وقد هدّد بأنه سيوقف التعامل بها، إلا أن جزءاً كبيراً من إدارته، وخصوصا وزارتي الخارجية والدفاع، ما زال يؤمن بها، فضلاً عن شركائه الأوروبيين الذين يرفضون حتى مناقشة إلغائها. تتيح هذه الاتفاقية، مع التفاهم الروسي الإسرائيلي، مجالاً إيرانياً واسعاً قد تكون زيارة الملك سلمان لبوتين غير قادرة على الانتقاص منه، مهما بلغ حجم الاتفاقيات التجارية المعقودة، فروسيا تعرف أن للتعامل السعودي معها شكلا مؤقتا وظرفيا ومرهونا بالقبول الأميركي بالدرجة الأولى.
كانت محادثات السلام المفترض في أستانة حاضرة في الزيارة، وأوكل إلى السعودية أمرُ إقناع المعارضات السورية المختلفة بقبول الأسد في المرحلة الانتقالية على الأقل، وهي التي توقفت تماماً عن التحدّث عن رحيل الأسد، واستعاضت عن ذلك بعباراتٍ من قبيل توحيد المعارضة، وهو موقف ذو سقف شديد الانخفاض، ويجعل متسائلين كثيرين يقفون بحيرةٍ أمام جدوى وصف هذه الزيارة بالتاريخية، فماذا سيسجل التاريخ منها، حتى لو كتبه شخصٌ منتصر؟ وهو في الغالب لن يتذكّر سوى السلَّم الكهربائي الذي تعطل في منتصف المسافة تماماً، وحيرة الملك السعودي ومرافقيه، وهم على شفا موقف مرتبك ومضطرب، ينوس بين محاولة كسب دولة عظمى، أو شرائها، وصعوبة تحقيق هذه الأمنية.