إلى متى يصمد تيلرسون؟

إلى متى يصمد تيلرسون؟

06 أكتوبر 2017

تيلرسون.. لن يبقى طويلا وزيرا للخارجية الأميركية (4/10/2017/Getty)

+ الخط -
خرج وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، عن صمته أخيرا، وأعلن بوضوح أنه باق في منصبه، وأنه يعمل وفق توجيهات الرئيس دونالد ترامب، وأن كل ما يُثار حول نية الأخير إطاحته ليس صحيحاً. وجاء تعليق تيلرسون بعد تقارير إخبارية عديدة روجت، أخيرا، إلى احتمالات إقالته من منصبه، أو أن يقدم استقالته، وذلك نتيجة حالة الإحباط التي يشعر بها من ترامب الذي يغرّد دوماً بشكل مختلف ومتناقض مع تحركات تيلرسون على الساحة الدولية. ولعل من جديد التغريدات تلك التي كتب فيها ترامب أن تيلرسون يضيّع وقته بالحوار مع رئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون الذي وصفه بأنه رجل حديدي، وذلك بعد ساعات قليلة من حديث تيلرسون عن فتح قنوات حوار مع كوريا الشمالية، بعد أسابيع من التصعيد الكلامي والتهديد المتبادل بينها وبين الولايات المتحدة.
ونشرت، في الوقت نفسه، تقارير صحافية قبل يومين أن مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي، طالب تيلرسون بتهدئة علاقته بالرئيس من أجل البقاء في منصبه، وهو ما نفاه تيلرسون في مؤتمر صحافي غير معتاد، متهماً وسائل الإعلام بفبركة الموضوع. وبغض النظر عن صحة ذلك أو عدمه، فإن العلاقة بين تيلرسون وترامب ليست على ما يرام، وقد تنفجر في أي لحظة. ولن يتردد ترامب في التخلص من تيلرسون، عندما تحين الفرصة لذلك، فقد أقال ما يقرب من سبعة من كبار مساعديه ووزرائه خلال أقل من عام منذ توليه الرئاسة في يناير/ كانون الثاني الماضي.
لدى كل من ترامب وتيلرسون منظور وتوجه مختلفان بشكلٍ يكاد يكون جذريا بشأن السياسة الخارجية، فالأول ينتمي، بشكل أو بآخر، لسياسة خارجية فوضوية، تقوم على استخدام القوة أو التهديد بها، من دون اعتبار كبير للدبلوماسية التقليدية التي تتبع الحوار والتفاوض. وهو يبدو مثل ثور هائج، يريد تحقيق أي نصر عسكري خارجي، قد يعزّز صورته المهتزة داخلياً، ويدعم شعبيته المتهاوية، والتي لم يصل إليها رئيس أميركي في عامه الأول في الرئاسة. في حين أن تيلرسون القادم من عالم النفط والصفقات يبدو أكثر هدوءاً ورزانة في معالجة ملفات السياسة الخارجية، مستخدماً في ذلك أسلوبه الهادئ لمعالجة الأزمات، وهو ما يجعله في تناقض مستمر مع رئيسه، في ما يتعلق برسم السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وقد اتضح الخلاف الكبير بين الرجلين، في عدد من الملفات والقضايا، كان أهمها الأزمة الخليجية، خصوصا عقب اندلاعها، حيث انحاز ترامب، بشكل واضح، لموقف دول الحصار، قبل أن يتراجع، في حين أن تيلرسون، ومعه وزير الدفاع الأميركي الجنرال جيم ماتيس، حاولا التروي في تقييمهما للأزمة، من دون الانحياز لطرف مقابل الآخر. لا يفهم ترامب تعقيدات الساحة العالمية، وتداخل ملفاتها بشكل معقد ومتشابك. وهو يعتقد أن التفوق الأميركي اقتصادياً وعسكرياً كفيل بأن يحل المشكلات الدولية، حتى وإن كان باستخدام القوة. وربما لم يشهد التاريخ الأميركي رئيسا بجهل ترامب ومحدودية خبرته، وهو الذي لم يخدم في أي منصب حكومي من قبل، ويبدو متفاخراً بذلك، ولا يعطي نفسه فرصة للتعلم والاستفادة، بل يبدو مندفعاً بشكل غير مسبوق، الأمر الذي قد يورط الولايات المتحدة في أزمات ومشكلات عديدة.
لن يستمر تيلرسون في منصبه كثيراً، ولن يظل صامتاً أمام تهور ترامب وإحراجه له بشكل مستمر، كما أنه لن ينتظر حتى يمارس الأخير هوايته المعتادة في إطاحة مساعديه، وربما يقدم استقالته طوعاً، وحفظاً لماء الوجه.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".