ننتظر حدثا هاما

ننتظر حدثا هاما

05 أكتوبر 2017
+ الخط -
الفوضى غير الخلاقة التي يعيشها العرب هذه الأيام، تستفز النخب والشارع على حد سواء، للبحث عن بديل لكل ما هو موجود، بعد أن استقرّ في الذهن أن البنية الحالية للنظام العربي الرسمي فقدت شرعيتها القائمة على ذراعي معادلة "الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"، فهذا النظام العربي بمجمله لم يعد، تقريبا، قادراً على تأمين لقمة الخبز الكريمة لأبنائه، على الرغم من المليارات الهائلة التي تدفقت على خزائن دوله، إن من باطن الأرض أو من المساعدات الخارجية، أو من جيوب المقهورين والغلابى الذين يدفعون تقريبا ثلثي ناتج عرقهم وكدّهم، إن وجدوا عملا! لخزينة الدولة، أي دولة، ثم لا يحصلون إلا على منّ متواصل وإذلال وقمع وتكميم أفواه وإرهاب وإرعاب، حتى إن المواطن العادي المقهور يحمد الله صبحا ومساء على أنه لم يزل على قيد الحياة، بل بات يشعر بامتنان أن الدولة تأخذ - فقط! - ماله وكده، ولا تأخذ روحه، (وإن فعلت في غير بقعة) وغدا مضطراً لمسامحتها بكرامته وكبريائه وإحدى رئتيه أو كليتيه، مقابل شيء من الحياة التي تشبه حياة الديدان والخراف وبقية الزواحف على بطونها.
أما الأمن، فمع مشاهد القتل اليومي المبرمج المدعوم بالتواطؤ والتآمر واللامبالاة في غير بؤرةٍ من وطننا العربي الكبير بآلامه وأوجاعه، فأصبح المواطن العربي يتحسّس رقبته، ويضم أولاده إلى صدره، مخافة أن تمتد أيدي الموت الزؤام لهم ذات يوم، مرضا أو جوعا، (عودة الكوليرا في اليمن مثلا) أو بقذيفة طائشة أو غارة من طائرة يسيرها أعمى القلب عدو أو شقيق (!) في سورية أو اليمن أو ليبيا أو فلسطين أو الصومال، أو همّا وغمّا وكمدا وقهرا، في بقية البلاد، النظام العربي الحالي، لم يوفر لمواطنيه لا خبزا ولا أمنا، بل إنه يقتات على خوفهم وجوعهم، ويستمد من آلامهم قوته وسطوته، وبحجة تأمين "الخبز والأمن" ذاتها سلبهم كرامتهم وكبرياءهم، وفرض عليهم "اللعب" في ساحته وفق معادلته فقط!
الطبيعة المطلقة تقبل مبدأ المقايضة والتبادل، لكنها غير مستعدة للتعايش مع حالة الاستلاب 
الشامل، بمعنى إن الكائن البشري مستعد للتنازل عن أشياء مقابل أشياء أخرى، يعني لسان حاله يمكن أن يقول: خذوا عني القرارات، واتخذوا ما تشاءون من تدابير. لكن وفروا لي رغيف الخبز، أما أن يؤخذ منه كل شيء ولا يُعطى شيئا فهذا وضع شاذ غير مستقر، لا يمكن أن يستمر، وستنشأ جرّاءه حالة بحثٍ عن بدائل، حتى ولو كانت غير مناسبة تماما!
نعيش حالة اشتباك ذاتي لم تكد تمر على بلادنا العربية من قبل، ولا يقل ما يحصل في البلاد العربية الشقيقة الأشد سخونةً عما تشهده البلاد التي يبدو من ظاهرها أنها مستقرة، بل ربما يكون للشرر المتطاير من هنا وهناك اليد الطولى في تسخين حالة الاشتباك تلك. وتأخذ حالة الاشتباك هذه أشكالاً عدة من التعبير، تقترب حينا مما اصطلح على تسميتها "خطوطا حمراء"، وتغوص حينا آخر في شؤون اجتماعية محضة مخترقةً تلك الحجب التي تغلف قضايا كهذه، القاسم المشترك الأعظم للمشهد بإجماله، حالة الترقب التي تشيع في أجوائه، ما يدل على أن التغييرات في طبقات الحكم العليا، أدخلت بلادنا في مزاج تغييري جديد، سيطاول، فيما يبدو، كثيرا مما كان يُعد من المسلمات، والمشكلة هنا أن كثيرين ممن اعتادوا على المشاركة في الحياة العامة ليسوا على مستوىً واحد من الوعي بما يجري، ربما لأنهم ليسوا على درجةٍ واحدة من الانغماس والعلم، إلى حد أنهم يذكّرونك بوصف مجموعة الرجال كفيفي البصر لطبيعة الفيل، وفق حصة كل منهم من ملمس ذلك الجسم الضخم.
هناك ورشة تغيير حقيقي في الوطن العربي، ولا يكاد يبدو منها إلا ما يظهر من جبل الجليد، وثمّة ممن عرفنا وجالسنا من كبار المسؤولين من يعتقد أنه يعرف تماماً إلى أين نسير وما 
الأمر، وما يخطط للأمة، وهناك آخرون لا يزيد حظهم من هذه المعرفة عن حظ قارئ الصحيفة الفطن الذي يفتش بين السطور عمّا يمكن أن يضيء له الفهم.
تعرف بعض القيادات العليا في البلاد العربية تماماً ما تريد، ولديها أجندة عامة و"تايم تيبل" مفصل، وآخرون لا ينظر الواحد منهم إلى أبعد من أسفل قدميه، وهو مسيّر لا مخير. وبين هذا وذاك، ثمّة كثير من الاهتمام بالكرسي على حساب كل شيء، حتى وصلت بعض الأقطار إلى منحدرات غير مسبوقة. ومن غرائب الأمور أن هناك من يخطط جيدا أحيانا، لكنه بحاجة لأذرع وروافع وأدوات تعينه على المشاركة في التخطيط والتنفيذ، وخصوصا في مسألة التفاصيل التي يختبئ فيها الشيطان، حسب المثل الغربي، وربما بسبب هذا الخلل تبعثرت رؤى وبرامج وأفكار كثيرة أطلقتها القيادات، حين وصلت إلى الأرض، فغدت شيئاً آخر لا يمت بصلة للأصل.
آفة الحكم المستبد أنه لا يثق بأحد، وإن وثق فالأمر الحاسم في الأمر الولاء لا الخبرة. ولهذا، حتى لو حسنت نيات بعضهم، فهو لا يجد من يترجم حسن النيات إلى أفعال. ومن غير المعقول هنا أن تقتصر مهمة تنفيذ الخطط والبرامج على صاحب الفكرة فحسب، بل لا بد من "مطبخ"، أو غرفة عمليات تعمل تحت عين صاحب الشأن ويده، وتشرف بشكل مباشر ويومي على مفردات تلك الخطط، وهذا ما يفتقد في غير ساحة عربية، وإن وجد فهو مرتبط بخيوط خارجية، لا تهمها مصلحة أهل البلاد.
نحن اليوم، في بلاد العرب، على أبواب حدث كبير، وكبير جدا، ومن الصعب على أي عالم مستقبليات أن يتنبأ بماهيته، لكن استمرار الحال من المحال، ولا بد من تغييرٍ ما، وما يحدد شكل ساعة الصفر وموعدها، هو الغيب فقط. فلننتظر، إنا معكم من المنتظرين.