أمراء الدبلوماسية وأمراء البروباغندا

أمراء الدبلوماسية وأمراء البروباغندا

01 نوفمبر 2017
+ الخط -
عندما تقف على الكلمة، لا شك في أنك تقف عليها من مصادرها... فجملة "عظُم السائل والمسؤول" مهمة في كل شيء، لا سيما الإعلام. هكذا هي الصحافة، وهذا هو الإعلام، إذا طُرقت القضايا العادلة. وعندما لا يجد بعضهم لقضيته طريقا، فإنها بلا شك ليست قضية، بل أكاذيب لن تجد إلا مسالك الصحف الصفراء، أو أن تستميت دولها في دفع خزينة دولها من أجل البقاء، حتى لو كان البقاء بمسمى "أمراء البروباغندا".
المتأمل لمقابلة تشارلي روز مع أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في برنامج "ستون دقيقة" على محطة "سي.بي.أس" الأميركية، يجد أن للدبلوماسية الفذّة التي تمتع بها الأمير قوة في الحق، وحكمة مطبوعة لا مصنوعة، ولعل أبرز ما جاء فيها ردا على دول حصار قطر الاستعداد للحوار، ولكن من دون المس بالكرامة والسيادة في القول: "سيادتنا خطّ أحمر". ولكن فيما دون ذلك هناك خطوط خضراء، لعل أبرزها في الحل السياسي للأزمة الراهنة هو المبادرة في قوله: "إذا ساروا مترا واحدا تجاهنا، فسوف أسير عشرة آلاف ميل تجاههم". وهذه جملة بالغة الأهمية في حوارٍ لن يوصف فقط بالحكمة، على الرغم من صدمة الغدر على الشعب القطري الذي أخذ على غرة، بعيد قمّة الرياض التي قيل لنا إنها إسلامية، ثم وجدناها متدثرة، فطرح أمير قطر الشاب حكمة ليست عند شيوخ الحصار أو الصغار، وهي السير إلى الإخوة أميالا في ردودٍ تلتمس منها فوق الدبلوماسية الثقافة الدينية والأخلاقية، في عدم الرد على الإساءة بالمثل، بل والإحسان إلى من أساء إلينا.
الدبلوماسية وقيادة الدول ليست نزقا سياسيا، بل وعاء من الحكمة. لذلك لا يصلح الطائشون 
حكاما، حتى لا يضيع مستقبل أمم بجريرتهم. هذا في الوقت الذي لم نسمع للقوم خطابا دوليا في محفل دولي، بل حتى محلي، فلم نرهم ينعمون بالتجول الحر حتى بين شعبهم، كما نعم به أمير قطر، فضلا عن أن يقطعوا البحار في لقاءات وخطابات أممية، كما وجدت قطر في أميرها من ثقة بعدالة موقفه وقضيته، فسمعت منه قطر محليا عن كثب، وسمعت منه الأمم تحت قبتها عالميا، وسمعت منه الأمم مباشرة من دون وسائط بلاط.
ولم تجد أكذوبتهم صدى في المحافل الرسمية، ولا منصات الإعلام الرسمي، لأنها ليست قضية، فضلا عن أن تكون عادلة. لذلك، طاشت حملات البروباغندا المستعرة من قبلهم ضد قطر، قبل الحصار وبعده أيضا في انكفاء مستميت على احتلال الذهنية الأميركية والدولية، لتشويه سمعة قطر، ورسم صور ذهنية مغلوطة عنها، قبيل الجمعية العامة للأمم المتحدة، تمثلت في تمويل حملات مدفوعة الأجر من خلال شركات الدعاية والإعلان التي أنفق عليها اللوبي الإماراتي، واللوبي السعودي في واشنطن SARPAC ، بالتعاون مع اللوبي الصهيوني، حيث تم من خلالهما إنشاء مواقع إلكترونية، تنشر معلومات خاطئة عن قطر، وتلصق تهمة الإرهاب بها، مثل The Qatari Insider التابع لـ SARPAC، اجتهدوا في نشر الحسابات المروّجة والقصص المفبركة في كل وسائل التواصل الاجتماعي، لتنتشر على المستخدمين، مثل ترويج Promoted، كما وظفت السعودية أيضا بودستا غروب Podesta Group منذ بدء الأزمة بعقد ربع سنوي، قيمته 150 ألف دولار، أتمته من خلال لجنة العلاقات العامة 
السعودية الأميركية، يتم تجديده تلقائيا بتوجيه بروباغندا، تتهم قطر بالإرهاب، على نمط إعلانات بطريقة "Eye Catching"، وجهت لصناع الرأي والقرار السياسي والخبراء ورواد الأعمال بهدف أكبر، وهو إيصال رسائل ممنهجة محددة من خلالهم إلى كبريات الصحف الأميركية، مثل نيويورك تايمز ووول ستريت جورنال ووشنطن بوست وبوليتيكو، حتى تنعم بمصداقية في ظرف انعقاد الأمم المتحدة لو حدث وأن نشرتها تلك الصحف.
لم تكشف لنا الحقائق الواردة في الإعلام الرسمي عن ذلك فحسب، بل أوضحت كيف أن حملات البروباغندا نفسها كثفت، من خلال برامج وأنشطة وإعلانات صحافية مدفوعة الثمن، وممولة سلفا من مناسبات، باصات وجداريات، استمرت في شوارع نيويورك وواشنطن، بهدف تشويه صورة قطر.
وفي الوقت الذي فشلت فيه دول الحصار في تحقيق أغراضها، قفزت، في جولة أخرى، إلى دول أخرى، مثل بريطانيا، لكنها فضحت، في أسبوعها الأول، حيث كشفت الصحف الكبرى، مثل التايمز البريطانية، في مقال نشرته، أخيرا، عن فضائح حملات البروباغندا الممولة ضد قطر، حيث صرح محللون للصحيفة بأن مجموعات سرية، مرتبطة بالإمارات والسعودية، تمول حملات دعائية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، "فيسبوك" و"يوتيوب" وأخيرا "تويتر"، في بريطانيا، لوصم قطر بالارهاب. هذا وعقلية الجمهور لم تعد هي العقلية الساذجة التي تتوقعها دول الحصار، بل حتى البريطانيون أنفسهم باتوا يتندرون بترويج حساب جديد على "تويتر" على نظام الإعلانات Promoted باسم Qatar exposed وKick Qatar Out . ولا زالت تلك الأكاذيب تحاول أن تجد لها طريقا للترويج، ولكن عبر المال فقط، فصدمت بأنها لم تجد لها طريقا للنشر في الإعلام، بل على عكس ما توقعت دول الحصار، فضحت الصحف ألاعيبها المكشوفة، بل ووجدتها مناسبةً، فطرحت سؤالا جوهريا بشأن خطورة "تعتيم هوية الحسابات" الممولة على منصات التواصل الاجتماعي، وضرورة التصدّي لتلك الظاهرة التي تبث الأجندات السياسية، عبر الدعايات المدفوعة خصوصا، بعد النقد الذي تعرّضت له تلك المنصات من سياسيين أميركين في فشلها في الإجابة عن ذلك بشأن قضية حملة التضليل الروسية، في دعم انتخابات ترامب عبر تلك الوسائل.
هناك فرق بين الدعاية الزائفة والإعلام، فالقضية العادلة يحاورها الإعلام، أما الخاسرة فهي التي تبحث عن الأتباع بالشراء والترويج الدعائي بالمال. كما هو الفرق بين أمراء الدبلوماسية وأمراء البروباغندا، فالحكومات الهشّة لا زالت تتعثر بقوة العدالة.
Twitter: @medad_alqalam
36E7A5AB-5C4F-4CC3-A27F-F8C022C765BC
36E7A5AB-5C4F-4CC3-A27F-F8C022C765BC
مريم الخاطر

كاتبة وباحثة قطرية، دكتوراه في أثر الإعلام الجديد "الاجتماعي" على التحولات السياسية في منطقة الخليج العربي. متخصصة في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية. محاضرة في جامعة قطر، لها عدة مؤلفات.

مريم الخاطر