عنفٌ جنسي.. هذا هو اسمه

عنفٌ جنسي.. هذا هو اسمه

31 أكتوبر 2017
+ الخط -
أيُدرك المتحرّشُ جنسيا بالقصّر، وبالبالغين على السواء، الثمنَ الباهظ الذي يدفعه هؤلاء، لقاء انصياعه لرغبته الآنية، وفرضها بالقوة على موضوع رغبته؟ هل يعقل الضررَ الذي يُنزله بضحاياه، وهل يجد سبيلا لإجراء مقارنةٍ بسيطةٍ بين لحظات متعته المعدودة، وسنوات المعاناة والعذاب التي يخلفها وراءه؟
على ما تناقلته وسائلُ الإعلام أخيرا، عبر العالم، وضجّت به مواقعُ التواصل الاجتماعي، وما أيقظته تلك الأخبار والمواقف والتصريحات في ذاكرة كلّ منّا، لا يبدو أن هناك ناجين كثرا من هذه الآفة التي تُدعى "التحرّش الجنسي"، والتي اتّضح أنها تمسّ كل شرائح المجتمع البشريّ، على اختلاف ثقافاته وحضاراته وتقاليده وأديانه...
ومن غير التركيز على العنصر الذكوري، وتخصيصه دون سواه، بإصبع الاتهام - إذ قد يكون الغلمان والشبّان ضحايا هم أيضا، في بعض الأمكنة المغلقة، كالسجون والأديرة ومؤسسات الرعاية، إلخ - فإن إطلاق عبارة "تحرّش جنسي" على هذه العلّة التي يضطلع بها الذكور، بشكل خاص، يخفّف كثيرا من مفاعيلها الحقيقية، ومن الضرر الكبير الذي تخلفه على من كان عرضةً لها. ففي التسمية وحدها، تلوح نيّة التخفيف من وقع الفعل المجرم، وربط الأخير فقط بفعل الاغتصاب مكتملا، في حين أن الفعل الأول، أي التحرّش، لا يختلف كثيرا، عن الثاني، أي الاغتصاب، من حيث أثره النفسي والجسدي، وهو في الحالتين لا يستحق إلا تسميةً واحدةً وحيدةً لا ثالثة لهما، ألا وهي تسمية "العنف الجنسي".
فالطفلة أو الطفل، والفتاة القاصرة أو الصبيّ القاصر، والشابة البالغة أو السيدة.. إلخ، يتعرّضن للعنف الجنسيّ نفسه، لصيقا بالذعر والاضطراب والخجل والشعور بالذنب أو بالعار، وتحميل الذات المسؤولية، هذا ناهيك عن ردود أفعال الأهل والمجتمعيْن الصغير والكبير على السواء، المتّسمة، في معظمها، بالقسوة والاتهام والمجافاة، عوضا عن اللين والرفق والتعاضد والمساندة والتكاتف.
تروي "ن" أنها كانت في الرابعة أو في الخامسة من عمرها، حين ابتدأ ابن خالها يتحرّش بها. وتقول "و" إنه كان ابن الجيران الأكبر منها ومن أختها بنحو عشر سنوات. ويروي "ر" أن معلّم الرياضة كان يحاول التودّد له بأكثر مما يلزم، حتى أنه نفذ منه بضربة حظ ذات مرة. وتروي "ز" أن سائق التاكسي كاد يغتصبها، لو لم "تطلع قد حالها" فتضربه بكعب حذائها المرتفع، وتولّي هاربة. أجل، لدى كلّ منّا ما تخبره بهذا الصدد للأخرى، أو للآخرين، لأن الأمر لا يتعلّق فقط بأصحاب الأسماء المعروفة والمشاهير من ذوي السلطة والنفوذ والمال. المنتج السينمائي الأميركي، هارفي ونستن، موجود في كل الأوساط، والفضيحة هي ألا تكون الفضيحة سوى فضيحته، هو وأمثاله، ممن تحتلّ أخبارهم الشاشاتِ وصورَ المجلات والمواقعَ الإلكترونية. الفضيحة ماثلةٌ في منازلنا ومدارسنا وقرانا ومدننا ومؤسساتنا و... و... . وهو أمر مخيف بالفعل، حين نفكّر به جدّيا، فنكاد لا ندرك كيف نحيط بالذعر الذي يتولانا عندما تحضرنا أجساد طفلاتنا وأطفالنا بكل ما يحيق بها من خطر التعرّض للعنف الجنسي على يد أيّ كان.
لا زلتُ إلى اليوم، وبعد مضيّ وقت لا بأس به، وعلى الرغم من أخبار العنف الفظيع التي تطالعنا يوميا، لا أنسى وجه تلك الطفلة "لمى"، ابنة الخمس السنوات، التي قضت على يد أبيها، الشيخ الداعية السعودي فيحان الغامدي، اغتصابا وكيّا وتعذيبا، في حين برّأته محكمة الاستئناف (2015) من تهمة قتلها والاعتداء عليها، بعد الحكم عليه بالسجن ثماني سنوات، فقط، لا غير. وبحسب ما تناقلته وسائل الإعلام المختلفة في حينه، كانت لمى، لدى دخولها المستشفى في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، "تعاني من نزيفٍ حاد تحت غشاء الدماغ، مع كدمة في الدماغ، ونزيف تحت العنكبوتية إثر إصابة شديدة في الرأس، وكسر في الفقرة الرابعة من الفقرات القطنية في منطقة الظهر، وكسر في الساعد الأيسر، وحروق وكدمات متفرقة بجميع أنحاء الجسم".
كان عمر لمى خمس سنوات فقط، لا غير، وبراءة والدها هي الفضيحة، يا أهل الخير.

دلالات

نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"