المصالحة وبداية النهاية فعلياً

المصالحة وبداية النهاية فعلياً

04 أكتوبر 2017
+ الخط -
لعل أكثر من يدفع ضريبة الحروب: الأسرة، الأطفال والمرأة خصوصاً، وتدخل النزاعات في كل مستوياتها وأشكالها، سواء داخل الأسرة أو العائلة الممتدة، أو بين العائلات، أو تلك السياسية أيضا، في مجال التأثير السلبي على الأمنين، الاجتماعي والاقتصادي.
نقرأ، في هذا السياق، حديث رئيسة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، انتصار الوزير، عن تفاؤل المرأة الفلسطينية تجاه طي صفحة الانقسام، على طريق إنجاز المصالحة، واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية. ويعيدنا حديثها هذا إلى أصوات النساء الفلسطينيات طوال سنوات الانقسام، المطالبة بإشراك مختلف القطاعات الاجتماعية، وخصوصا قطاع المرأة في جميع الحوارات الدائرة واللجان المنبثقة عنها، بما يخدم تعزيز الوحدة، اعتباراً من "أن الانقسام قد مسّ وحدة النسيج الاجتماعي، ما عمّق الانقسام، وقام بتغذية الفئوية الضارة".
دفعت المرأة في قطاع غزة ضريبة الانقسام، ليس اقتصاديا فقط، بل اجتماعيا وثقافيا وتربويا أيضا، ذلك أن المنقسمين أصلا ليسوا إلا أبناء بيت واحد وحي واحد ومخيم واحد ومدينة واحدة. لذلك، إن لم تبدأ المرحلة المقبلة من المصالحة فورا بإزالة آثار الانقسام، ستحمل الأجيال الجديدة معها هذا الفيروس الخطير.
لذلك، ثمة تعاون استراتيجي إنسانيا ووطنيا، يجب أن ينطلق من البيت أولا، والمدرسة ثانيا، بحيث تشترك فيه كل الوزارات والمؤسسات ذات الصلة، حكومية وأهلية وغير حكومية، في رأب الصدع، باتجاه لم الشمل، والتنفير ليس من الاختلاف، بل من جعله سببا في الصدام والعنف.
وهنا، سنجد المرأة ومعها الرجل، الوالدان والكبار، والمعلمون/ات، ومعهم/ن جيش الإعلاميين/ات، والخطباء والوعاظ، وكل من هو على صلة بالإعلام الجماهيري، معا يدا بيد، باتجاه التطهر والتطهير، مستفيدين من الفن بشكل خاص، الذي ينفر من الشرور، بطريق غير مباشر. ومعنى ذلك، أننا بحاجةٍ للقاء أكثر أهميةً من لقاءات الساسة، ألا وهو لقاء المجتمع وتلاقيه، بحيث يُصار فورا إلى استئناف ما كان، وذلك بتجاوز ما علق بنا من لحنٍ نشاز على مدار سنوات.
في الوقت نفسه، علينا هنا في قطاع غزة، وفلسطين الحبيبة أن نعيد الأمور إلى نصابها من الاعتماد على الذات، بحيث نبدأ من الأسرة، في تعميق التوعية، من داخلنا نحن الأهالي، وداخلنا أيضا أسر فيها آثار الانقسام، بالتربية على الاحترام والحنان والتسامح. ويكون ذلك من خلال ممارستنا، نحن الكبار، فعل التسامح، لنكون قدوة للأطفال والفتيان/ات.
التربية على التسامح، والتنشئة على التضامن الإنساني، ينبغي أن تبدأ في البيت والمدرسة؛ فإذا قامت البيوت بذلك، فإننا ننتظر دورا مهما لوزارة التربية والتعليم في العمل داخل أسوار المدرسة، مدعومين بغطاء سياسي متصالح، بمناهضة أي خطاب فئوي إقصائي.
المدرسة هي نتاج ونتيجة ما يضطرب في المجتمع. وعليه، فإن امتلاك المعلمين/ات المبادرة، في مدارس الحكومة ووكالة الغوث والمدارس الخاصة، سيعني بدايةً تربويةً مهمة لفعل التسامح التي تذكرنا بالتطهر والتطهير الكلاسيكي في عالم الفن. وهنا، لأسباب بنيوية واجتماعية، أزعم أنه سيكون للمرأة الأم والمعلمة والإعلامية الدور الأكثر حيوية في مناهضة ثقافة الانقسام.
وعودة على بدء، فإننا ونحن ندرك بعمق أن المرأة هي الأكثر اكتواءً من الحروب والنزاعات سنجد أن عملها التربوي والاجتماعي والثقافي سيكون منطلقا من داخلها، من عمقها متألمة تطمح للسلام. لذلك، على الرغم من أهمية التصالح السياسي؛ فإننا بحاجة لتصالح في كل مناحي المجتمع، فإن كانت المصالحة السياسية جادة، فإننا سنلحظ يوميا تجليات ذلك في حياتنا الفلسطينية.
سنلحظ يوميا داخل البيوت والأحياء والمدارس تحسن العلاقات الشخصية والاجتماعية، كما سنلحظ تقلص الفجوات النفسية في الشارع والمؤسسات، سنرى الفرح في تزايد، والأمل في اضطراد وتسارع لحظي.
لدى المجتمع الكثر ليفعله، وليستأنف ما كان قد همّ به... وإذا لم نكن حقيقيين/ات من دواخلنا تجاه هذه المصالحة، فسنضيع ربما فرصة ذهبية لاستعادة ليس وحدتنا السياسية، بل إنسانيتنا!
لعلنا لا نشرك المرأة في التصالح فقط، بل لعلنا نصطف وراءها، وإلى جانبها، فهي الأم، بكل ما تحمل من دلالةٍ إنسانية ووطنية.
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.