موسكو وواشنطن ضد طهران

موسكو وواشنطن ضد طهران

30 أكتوبر 2017
+ الخط -
الولايات المتحدة الأميركية "لن تسمح لإيران بالسيطرة على سورية"، هذا ما أعلنته رئيسة الوفد الأميركي في الأمم المتحدة، نيكي هيلي. وعلى الرغم من أن سياسة واشنطن تجاه طهران شهدت تحولاً كبيراً منذ دخول دونالد ترامب البيت الأبيض، إلا أن امتداد هذا التحول إلى الملف السوري لم يكن واضحاً، فقد خصص ترامب قدراً كبيراً من هجومه على إيران للملف النووي. لذا يمثل الموقف الذي أعلنته هيلي مرحلة أكثر تقدماً في التوتر بين واشنطن وطهران. بل إنها المرة الأولى التي تعلن فيها واشنطن موقفاً إزاء الدور الإيراني في سورية، على الرغم من أنه دور فاعل ومؤثر منذ ست سنوات.
يتسق ذلك التطور في الموقف الأميركي، مع إشارات أخرى صدرت من واشنطن تعاكس الحسابات الإيرانية، وتضرب في الصميم التحالف بين طهران ودمشق. ومن أبرز تلك الإشارات تصريح وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، الذي أكد فيه أن حكم بشار يقترب من نهايته، وبالتالي "لا مستقبل في سورية للأسد ولا لعائلته". وعلى الرغم من أن تيلرسون استدرك أن "كيفية تحقيق ذلك" هي القضية المطروحة حالياً، إلا أن الإصرار على رحيل بشار، ولو بعد حين، أو بطريقة لم يتم تحديدها بعد، يعد منحنىً جديداً في السياسة الأميركية تجاه سورية. بعد أن ظل موقفها من بشار مقصوراً على خطاب رافض لبقائه، من دون أي تحرك فعلي، قبل أن يتطوّر سلبياً، في العام الماضي، نحو قبول بقائه في الفترة الانتقالية. ولم يبتعد تصريح تيلرسون كثيراً عن هذا السقف، لكن تجنبه الإشارة إلى أي مدى زمني لبقاء بشار يوحي بأن رحيله قد يكون أقرب مما كان مقبولاً أميركياً حتى أشهر قليلة مضت. ويجب التوقف هنا عند شمول "عائلة بشار" بالرفض، وليس شخصه فقط، ما يرجح أن لدى واشنطن تصورا محددا للمستقبل القريب في سورية، بما في ذلك طبيعة السلطة الحاكمة وشخوصها في المرحلة الانتقالية. ولا يمكن فهم هذا الطرح الأميركي، بخصوص مستقبل السلطة الحاكمة في سورية ومصير بشار الأسد وعائلته، من دون النظر إلى التحالف السوري الإيراني عالي المستوى، والتنسيق المتزايد بين الجانبين. فعلى الرغم من أن التدخل الروسي المباشر قلب الموازين العسكرية والسياسية، ومنع سقوط النظام أمام المعارضة و"داعش" وغيرهما من الفصائل المسلحة، إلا أن التنسيق بين دمشق وطهران لم ينقطع يوماً، وتلعب إيران دوراً مهماً في دعم دمشق بشار، سواء الاستشارة والتنسيق السياسي، أو بخبراء عسكريين، أو بقوات ومليشيات جلبتهم إيران من خارج سورية.
هنا، يصبح منطقياً التساؤل عن طبيعة العلاقة بين موسكو وطهران في سورية، فهي أحد المفاتيح المهمة في رسم حدود التفاهمات والتباينات الروسية الأميركية هناك. ما يستحق الإشارة إليه في هذا الخصوص أن حسابات طهران وموسكو في سورية تتقاطع معاً في حدود الحفاظ على الدولة السورية بشكلها الحالي أطول وقت ممكن، وعدم إطاحة بشار بشكل مفاجئ، من دون استعدادات مسبقة وتحضيرات لما بعده. مع قبول تغيير طبيعة الدولة وشكلها، وبالطبع السلطة الحاكمة، إذا ما توفرت مساحة مناسبة من النفوذ، تضمن تحقيق مصالح مباشرة لكل منهما. سواء كانت امتيازات اقتصادية أو تسهيلات عسكرية. وهنا، يظهر الاختلاف بين موسكو وطهران، فالأخيرة تعتبر بقاء عائلة الأسد في الحكم أكبر ضمانةٍ لاستمرار نفوذها مستقبلاً. بينما ترى موسكو أن تحالف طهران ودمشق عقبة كبيرة أمام سورية مقبولة روسيا وأميركياً أيضاً.
لذا، يمكن بسهولة ملاحظة ارتفاع وتيرة التفاهمات الأميركية الروسية بشأن سورية، ربما ليس بشكل معلن صريح، لكن الإشارات والتحركات الصادرة من الطرفين تشي بأن ثمة توافقاً كبيراً بينهما، ليس بشأن مستقبل سورية ومصير بشار الأسد فحسب، لكن، وهو الأهم، بشأن تحجيم النفوذ الإيراني هناك، وضرورة عدم تحويل سورية إلى عراق جديد إيراني.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.