عندما تتحالف شركات كبرى مع الاستبداد

عندما تتحالف شركات كبرى مع الاستبداد

29 أكتوبر 2017
+ الخط -
بعد ظهور شبكة الإنترنت، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، قيل الكثير عن عدم قدرة الحكومات الاستبدادية على إغلاق منافذ المعرفة وحجب المعلومات عن شعوبها. لكن يبدو أن تلك الأنظمة لم تستسلم لتلك الرؤية، وبدأت تستخدم أساليبها نفسها مع التكنولوجيا الجديدة.
كشفت وقائع عديدة، أخيرا، عن اتجاه جديد لتحالفات واتفاقات معلنة وغير معلنة بين شركات (ومؤسسات) كبرى في عالم التكنولوجيا والاتصالات وحكومات عربية وغير عربية، أدت إلى تهديدات حقيقية لحرية تداول المعلومات. جديدها قرار إدارة شركة "سناب شات" حجب حساب شبكة الجزيرة الإعلامية لمستخدمي الموقع في العربية السعودية، مبرّرة ذلك بالحرص على الالتزام بالقوانين المحلية، بعد أن أخبرتها الحكومة السعودية أن حساب الشبكة ينتهك تلك القوانين، من دون تقديم تفاصيل إضافية.
يمكن أن يقال الكثير عن دلالات القرار، من زاوية انتهاك حرية التعبير والصحافة، وهي أمور صحيحة، لكن الدلالة الأخطر لقرار كهذا أنها ستشجع حكومات وأنظمة عديدة على تقديم طلبات مماثلة، والحجة ستكون جاهزة: انتهاك القوانين المحلية، تلك القوانين التي يتم تفصيلها وفقا لأمزجة القائمين على السلطة في وطننا العربي المحكومة بالاستبداد والفساد.
كانت "الجزيرة" نفسها قد تعرّضت لخطر مماثل، هذه المرة من موقع تويتر، الذي حذف
 حساب القناة الذي يتابعه أكثر من 12 مليون متابع عدة ساعات، من دون إبداء أي أسباب، قبل أن يعود الحساب فجأة كما حذف فجأة، من دون تقديم أي توضيحات، وقد جاء هذا الحادث بعد أيام من فرض الحصار على دولة قطر، فيما بدا وكأن ذلك جزء من الحملة الإعلامية التي كانت قد بدأت قبل نحو أسبوعين من الحصار، بعد قرصنة وكالة الأنباء القطرية، ونشر خطاب مفبرك ونسبه لأمير قطر. وفي السياق الأوسع لهذا الحادث، نعرف أن لدى "تويتر" مكتبا إقليميا في دبي، وأن رجل الأعمال السعودي، الوليد بن طلال، يملك عشرات الملايين من الأسهم في الموقع، ولذلك يصبح التساؤل مشروعا عمّا إذا كان الموقع قد خضع لعملية ابتزاز من دول حصار قطر، أو أنه خضع لحملة منظمة من بلاغات من يطلق عليهم "الذباب الإلكتروني" المتخصصون في إنشاء الحسابات الوهمية وشن الحملات الإلكترونية لإرهاب الخصوم واغتيالهم معنويا.
حتى الثورة السورية التي تكالبت عليها القوى الكبرى لإجهاضها، ساهم موقع يوتيوب، بقصد أو غير قصد، في تلك الجهود، عندما حذف آلافا من مقاطع الفيديو التي توثق جرائم نظام بشار الأسد بحق الشعب السوري، والتي تعتبر أدلة محتملة يمكن استخدامها مستقبلا في أي محاكماتٍ، تخص رموز نظام بشار، أما عن الحجة الجاهزة دائما في تلك الحالات، فقد عبرت عنها إدارة الموقع، قائلة إن المقاطع حذفت تلقائيا ضمن جهود لمنع المواد المرتبطة بـ"المنظمات الإرهابية"، وهي حجة تتقاطع كليا مع دعاية النظام السوري الذي يحاول تصدير نفسه إلى العالم محاربا للإرهاب. لتخرج إدارة الموقع بعد ذلك لتقول إن المقاطع حذفت بالخطأ، وإن بعض الفيديوهات عاد مرة أخرى، لكنهم استدركوا أن التقنية الجديدة التي اعتمدها الموقع لمحاربة "المقاطع المتطرّفة وغير الملائمة" قد تحذف المقاطع تلقائيا. وبالفعل، اشتكى العديد من نشطاء حقوق الإنسان السوريين وفرق العمل التي تقوم على توثيق جرائم النظام من تأثير حملة حذف الفيديوهات على عملهم في جمع الأدلة، لاستخدامها في المحاكم الدولية، خصوصا أن "يوتيوب" كان الوسيلة الأساسية أمام السوريين، لنشر فظائع النظام في الأشهر الأولى للثورة.
واتجه الموقع نفسه أيضا إلى محاربة المحتوى الفلسطيني، إذ حذف، منذ أيام، قناة شبكة قدس 
الإخبارية للمرة الثانية، بعد تجاوزه ملايين المشاهدات، بدعوى نشرها مقاطع تحريضية، كما حذف قناة "فلسطين اليوم". ويشن الموقع بانتظام حملة ضد المحتوى الفلسطيني، طاولت عشرات الفيديوهات والحسابات الفلسطينية، استجابة لضغوط وبلاغات إسرائيلية.
أما أخطر ما كشف عنه فيما يتعلق بموضوع المقال، فهو ما نشرته وكالة بلومبيرغ الأميركية عن تنظيم "فيسبوك" و"غوغل"، بالتعاون مع إحدى المنظمات، حملات إعلانية مسيئة للمسلمين، تشير إلى مسلمين ارتكبوا عمليات إرهابية في الولايات المتحدة وفرنسا. وكشفت الوكالة أن "فيسبوك" قد عمل أيضا مع حزب البديل الألماني المتطرّف من أجل التوجه إلى الناخبين بإعلانات مناهضة للهجرة.
بعد حجب حسابها على "سناب شات"، حاولت "الجزيرة" تفادي ذلك الحجب عن طريق نشر محتوى "سناب شات" نفسه على قناتها اليومية في موقع إنستغرام، في رسالة واضحة أنه ليست هناك وسيلة لإيقاف الحقيقة من الوصول إلى الجمهور، لكن الخوف، كل الخوف، من أن تجد الحكومات والأنظمة وسيلة ل"التفاهم" مع موقع إنستغرام وغيره، لتمارس ضغوطها عليه، أو حتى تبرم اتفاقات وصفقات مماثلة للتي عقدوها مع "سناب شات"، وهي صفقات ستظل محتملة في أي وقت، طالما الأموال حاضرة، وطالما ظلت كبريات الشركات والمؤسسات العالمية تخضع للابتزاز المالي من أنظمة "تظن أن المال يمكن أن يشتري كل شيء"، كما قال أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.