المقاومة.. تلك الكلمة النابية!

المقاومة.. تلك الكلمة النابية!

25 أكتوبر 2017

السويس عندما كانت تدافع عن مصر كلها

+ الخط -

كان لمصر عيد قومي للمقاومة الشعبية، حتى جاء حسني مبارك، كنزاً استراتيجياً لإسرائيل، فألغى العيد، وشطب مفردة المقاومة من قاموس الحياة المصرية.

في الرابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين أول 1973 كانت ملحمة المقاومة الباسلة لشعب السويس، تلك الملحمة التي نجحت في إيقاف هجوم دبابات العدو الصهيوني، وتدميرها، في واحدة من أشرف معارك الإنسان المصري وأشرسها.

منذ ذلك الوقت، أصبح للمقاومة عيد قومي، يعطل فيه العمل، للاحتفالات على مستوى الجمهورية، كان اسمه عيد السويس، والمقاومة الشعبية، نحصل فيه على إجازة من الدراسة، وحين نعود في اليوم التالي نحتفل في طابور الصباح، فنتبارى في الخطابة عن البطولة والفداء.. واستمر الحال على هذا النحو، حتى حملت المصادفة حسني مبارك، ليخلف السادات في الحكم، وبعد عامين فقط من رئاسته، قرّر عدم اعتبار عيد السويس إجازة رسمية، وتوقفت الاحتفالات بالمقاومة، منذ العام 1983، ليتحول عيد السويس إلى مناسبة محلية، تقتصر على المحافظة فقط.

مع عبد الفتاح السيسي، تتحول السويس إلى محافظة منبوذة، وتصبح المقاومة كلمةً نابية، في زمنٍ باتت فيه مصلحة "المواطن الإسرائيلي" لها الأولوية عند الحاكم الجديد لمصر، الذي يجسّد حلماً صهيونياً قديماً، فمن الطبيعي، إذن، ألا يتذكّر أحد السويس وعيد مقاومتها، بل لن يكون غريباً إذا صحونا يوماً على خبر عن حذف حكاية حرب أكتوبر من منهج التاريخ، باعتبار أنها تعكر صفو السلام، كما تريده إسرائيل، وتفرضه على أتباعها في المنطقة.

إسرائيل تكره السويس، وتحب عبد الفتاح السيسي، والأخير يحب إسرائيل، وبالتالي هو يكره السويس، ويحتقر المقاومة مثلها، فكيف يمكن أن يتوقع أحد أن يحتفي بعيدها؟

كانت السويس عروس ثورة يناير 2011، ولولا صمودها، لما نجحت الثورة، وامتدت إلى بقية المدن المصرية، ولم يكن صمود السويس في مواجهة المذبحة التي ارتكبتها قوات أمن حسني مبارك ضد الثورة الشعبية، أقل بسالة وجسارة من صمودها أمام زحف الدبابات الصهيونية، والاحتفاظ بما تبقى من ملامح الانتصار في معركة 1973.

سجلت وقتها "إن ما جرى في السويس طوال الأيام الفائتة أقرب إلى جريمة حرب كاملة الأركان، حيث العقاب الجماعي لكل شعب السويس، لأنه طالب بالتغيير والإصلاح، من قصف المنازل بالقنابل المسيلة للدموع، ومطاردة الناس في الشوارع والطرقات وقطع الاتصالات عن المدينة التي قضت أياماً معزولة عن باقي أنحاء مصر.. إنهم يعاقبون السويس، طوال الوقت، لا يطيقون رؤيتها شريفة وطاهرة وصامدة وصابرة، وكلما قدّمت المثل في الصمود والبسالة نكّل بها أولئك الجاحدون الأوغاد".

التاريخ أيضاً وغد كبير من هؤلاء الأوغاد الذين يتربصون بالسويس، ففي يوم عيدها، المهجور، تصفعها، وتصفعنا، الميديا الإسرائيلية بخبر عن انطلاق أول يخت سياحي من ميناء مدينة حيفا المحتلة عبر قناة السويس إلى مصر والأردن، عبر "خط سياحي إسرائيلي جديد"، وذلك انطلاقا من ميناء حيفا"، حيث المنشور على صفحة "إسرائيل في الأردن" في "فيسبوك"، وفي تفاصيل الخبر أن الخط الجديد يتيح للسائح الإسرائيلي التمتع بجولةٍ في مناطق السلطة الفلسطينية أيضاً.

من الجهة المقابلة، هناك على السواحل السعودية المطلة على البحر الأحمر، يدشن محمد بن سلمان مشروعه السياسي/ السياحي وسط جدلٍ لم يحسم بعد، بشأن زيارته السرية إلى الكيان الصهيوني، من أجل الاعتماد، وفي تفاصيل اللوحة اقتطاع جزيرتي تيران وصنافير من مصر، وضمهمها للسعودية، بموافقة، أو بالأحرى استجابة لرغبة، إسرائيل، لتنفتح أبواب العلاقات السياسية والسياحية بين الرياض وتل أبيب على مصاريعها.

وبموازاة ذلك كله، يشتعل الحديث عن ضرورة نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، وتسليمها لسلطة محمود عباس، الأكثر حماساً لبروتوكولات صفقة القرن، فيما لا تترك حركة حماس، في طورها الجديد، مناسبة إلا وتهتف بحياة السيسي، هدية الله إلى شعب إسرائيل.

تلك بعض تفاصيل الصورة، فمن الطبيعي ألا يحتفي بالمقاومة وعيدها أحد.

 

وائل قنديل
وائل قنديل
صحافي وكاتب مصري، من أسرة "العربي الجديد". يعرّف بنفسه: مسافر زاده حلم ثورة 25 يناير، بحثاً عن مصر المخطوفة من التاريخ والجغرافيا