كركوك ومشوار الألف ميل

كركوك ومشوار الألف ميل

23 أكتوبر 2017
+ الخط -
كان التصادم العسكري مع "الحشد الشعبي" متوقّعاً بعد الانتهاء من الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، ولكن ما لم يكن متوقعاً هو أن يقترف بعضهم خيانةً عظمى بحقّ إخوتهم وأبناء شعبهم.
ما حصل في الأيام القليلة الماضية في كركوك، والمناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، ليس إلّا بعض الإجراءات القانونية التي تأخذ مجراها الطبيعي بين إقليم كردستان والحكومة المركزية، مع قليل من الحساسية، حيث لم تحصل هناك أي اشتباكات عسكرية كبيرة بين الطرفين، حتى نحكم بأنَّ مسعود البارزاني خسر المعركة، وبأنَّ الأميركان والأوربيين تخاذلوا معنا.
القراءة الصحيحة لما حصل من الغرب هي تخاذل بعض الأطراف السياسية الكردية في كركوك، الذين هم أنفسهم شاركوا في عملية الاستفتاء، وقاموا بالاتفاق (عليه) فيما بينهم. طبعاً لدى الغرب الأولوية في تغيير السياسة لصالحه في المتغيرات السياسية المتسارعة فلا علينا أن نعاتب الغرب عن بعض المواقف التي تطرأ على الساحة فجأة.
لو تمعّنا قليلاً بما حصل، نجد أنَّ الرابح الوحيد في هذه الأحداث التي حصلت أخيرا هو مسعود البارزاني، لما عَلمَ أنَّ المواجهات العسكرية ستكلّف الطرفين من الشعب العراقي دماء كثيرة. لذلك لجأ إلى الحنكة السياسية والدبلوماسية التي يملكها، وهو القائل "أفضّل الحوار لـ 10 سنوات على أن أخوض حرباً لساعة واحدة".
استطاع البارازاني تجنّب الاشتباك العسكري مع القوات العراقية وبعض المليشيات التي كان يشرف عليها قاسم سليماني بشكل مباشر، ما يمكن اعتباره أكبر انتصار له وللشعب الكوردي وكونه تدارك الموضوع بسرعة، وعلم بأنَّه لا رابح في هذه المعركة ولا جدوى من استخدام القوة العسكرية في هذه المرحلة التي طالما طالب فيها البارزاني بالحوار لإيجاد حلول لهذه الأزمة بين بغداد وأربيل، ولنتائج الاستفتاء الشعبي الذي حصل مؤخراً حيث صوّت الشعب الكوردي بأكثر من 92% من أجل حقّ تقرير المصير، لذلك ذهب إلى طاولة الحوار مع العبادي بإشراف أميركي أوروبي لإعادة ما تمَّ تسليمه للعبادي من المواقع العسكرية.
جدّية الرئيس البارزاني، وتركيزه على حلّ الخلافات سلميا وعن طريق الحوار، دفعت الأوروبيين والأميركيين إلى تغيير مواقفهم والتعامل بجدية لوقف فتيل الفتنة بين الطرفين، وأكدوا على عودة بعض المراكز العسكرية التي سلّمتها قوات البيشمركة جرّاء اتفاق ميداني بين الطرفين إلى البيشمركة مرة أخرى.
أمّا ما حصل في كركوك من خيانة عظمى بحقّ الشعب الكوردي وأهالي كركوك، من بعض أعضاء حزب الاتحاد الوطني مثل بافل طالباني وحاشيته، كشفت وجههم القبيح وإرث الخيانة التي ورثوها من أسلافهم.
كانت خطة أكبر مما كنّا نتوقع، ولكن لحسن الحظ توقفت خطتهم إلى إدارة مدينة كركوك مع الحكومة المركزية فقط ولم يتم تحقيق هدفهم الأكبر الذي كان تأجيج الشارع الكوردي ضدَّ قيادة الإقليم الكوردي في جميع المدن الكوردية في الإقليم.
ولكن لم تنتهِ المعركة بعد، والوضع سيبقى على ما هو عليه الآن. وأعتقد أنَّ أهم ما جرى في هذه الأحداث هو أنَّ الطرفين أُجبروا على الجلوس معاً على طاولة التفاوض، وكما يقال فإنَّ "مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة".
BB4DA1CC-67A4-484E-8920-5ED7F35FE3D8
BB4DA1CC-67A4-484E-8920-5ED7F35FE3D8
كجال درويش (سورية)
كجال درويش (سورية)