السعودية في الرّقة

السعودية في الرّقة

21 أكتوبر 2017
+ الخط -
تضيف حزمة الرسائل الغزيرة في زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، ثامر السبهان، محافظة الرقة في شمال سورية، أخيرا، مستجدّا مهما إلى متاهات الجغرافيا السورية وخرائطها السياسية، العويصة والمتصلة، حكما وبالضرورة، بالإقليم، حيث الجوار هو العراق وإيران وتركيا. يزيد من أهمية الزيارة أن السبهان كان مصحوبا، فيها، وفي الاجتماعات التي عقدها في غير بلدة في المحافظة (على ما ذاع من أخبار)، مع المبعوث الأميركي الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الجنرال بريت ماكغورك. وإذا كان ميسورا الوقوع على رسائل هذه الزيارة التي يقوم بها مسؤول سعودي إلى الرقة، فور تحريرها من احتلال تنظيم داعش الإرهابي، إلى النظام في دمشق وتركيا وإيران، فإنه يبقى غير ميسور، تماما، الوقوع على كيفيات اشتغال العقل السياسي السعودي الراهن، كما ينبئ بها هبوط ثامر السبهان في مدينة بني عيسى في المحافظة السورية، وجلوسِه فيها إلى مسؤولين عسكريين في قوات سورية الديمقراطية (قسد) التي تتبع حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) الملتحق بحزب العمال الكردستاني، الإرهابي في أعراف تركيا وغيرها. .. 

هل ثمّة رؤية محكَمةٌ في سياسة سعودية مرتقبة في الملف السوري، وحواشيه التركية والإيرانية (والكردية)، اهتدى إليها العقل المشار إليه، بعد درس الحسابات والرهانات، فجاءت اجتماعات وزيرٍ معني بشؤون الخليج (!) في بني عيسى (وغيرها)، برفقة جنرال أميركي، خطوةً مبنيةً على هذه الرؤية؟ أم أن القصة وما فيها مجرّد اختبار موضعي، أريد منه تحسّس آثاره، قبل المضي إلى خطواتٍ لاحقةٍ مبنية عليه؟ لا يستقيم، في حساباتٍ أولى وتفكيرٍ عابر، أن يكون السفير السعودي السابق في بغداد، ثامر السبهان، والموصوف بأنه مندفعٌ ومتحمس، قد حطّ رحاله في مضارب عشائر الرّقة، من أجل تسلم ثلاثين سعوديا داعشيا تم أسرهم، على ما قيل. وإنما يستقيم القول، ربما وإلى حد كبير، إن الرياض إنما تبدأ، في السهم الذي رمته مع السبهان في الرمال السورية شمالا، تمرينا أول في خيارٍ سياسي، تنوي تجريبه، بعد أن وصل إلى قناعتها غير الخافية أن بقاء الأسد رئيسا أمرٌ لا ردّ له، وليس في وسعها أن تخربش عليه، بل يمكنها التعاطي معه، وإنْ بمضضٍ أولا، وبمقادير من الأريحية تاليا. وإذا كان معلقون لبنانيون مشايعون للأسد قد امتعضوا من أن قفزة السبهان المفاجئة إلى أرضٍ سوريةٍ تمت من دون تنسيق مع السلطة في دمشق، فإن الأخيرة لم تنزعج من هذا، بل استحسنت هذه الحركة السعودية باتجاه حزبٍ كردي صديق للنظام، وإنْ كان ذا هوى انفصالي، فضلا عن أنها حركةٌ تغضب أنقرة، في غضون توتر معلن في العلاقات التركية الأميركية، وهذا وحده يبعث على السعادة في دمشق. وإذا صحّ أن من أغراض الزيارة البحث في مسألة إعادة إعمار الرّقة التي دمرت نحو أربعة آلاف غارة للتحالف الدولي ما بين 60% إلى 80% من مبانيها، فبها ونعمت، وإنْ يجري الأمر برغبة أميركية.
أما القول إن الرياض أرادت، في سحابة النهار الذي أمضاه وزيرها في الرقة، أن تعرّف طهران بأنها لن تغيب عن سورية بعد الآن، وإنْ أخذتها الخسارات في هذا البلد إلى خيباتٍ سياسيةٍ وميدانيةٍ معلومة، وإنْ أشغلتها وقائع اليمن الحوثية الصعبة، إذا أرادت الرياض أن تستعد إيران لهذا الأمر، فإن الأخيرة، كما يبدو، ستقابل هذه الرسالة باكتراثٍ قليل، فللميدان حساباته الأخرى، في عموم الحالة السورية، وليس في مقطعٍ عشائري سني فحسب، ولأن في الصلات مع موسكو استحقاقات أعرض مما توهمته السعودية في الكلام الجميل الذي سمعه الملك سلمان من الرئيس بوتين، قبل أيام في الكرملين. وإذا صحّ أن الرئيس الروسي سمع من ضيفه أنه يرضى بوجود الأسد على أن تغادر إيران سورية، فإنه على الأرجح كتم تعقيبا، منعت اللياقات إفشاءه، وموجزه أن الزمن قد أجرى تضاريسه الأقوى في السنوات الثلاث الماضية، وأن الحقائق التي قامت أثقل من أن يمحوها الرحبُ والسعةُ اللذان استُقبل بهما الملك في موسكو... ولعلها حقائق مشابهة، في الرقة وغيرها، أثقل أيضا من أن يبدّلها الرحبُ والسعةُ اللذان احتفيا بثامر السبهان، برفقة جنرالٍ أميركي، في بني عيسى في محافظة الرّقة المحرّرة أخيرا من "داعش" في شمال سورية.
358705DE-EDC9-4CED-A9C8-050C13BD6EE1
معن البياري
كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965. رئيس قسم الرأي في "العربي الجديد".