رسالة إلى دعاة السلام

رسالة إلى دعاة السلام

19 أكتوبر 2017
+ الخط -
إليكم يا دعاة السلام أقول :"كُفُّوا عن هذا العالم!"، فالعالم ليس بحاجتكم وهو بغنى عنكم وعن سلامكم.
منذُ بداية تاريخ البشرية والحقد البشري لم يفارق هذا العالم، فالمجازر والحروب التي تقام لا تختلف بمضمونها عن قتل قابيل أخاه هابيل.
حضارة هذا العالم قائمة على القتل والشر والحقد، فصورة هجمات 11 سبتمبر لم تُمح من الذاكرة بعد، تلكَ الهجمات التي تُعتبر النقطة الفاصلة بين عالم الأعصاب المشدودة وعالم الفلتان الأمني والجنون الفكري. ففي 12 سبتمبر/ أيلول، أُعلنت حملة "الحرب على الارهاب". وفي 7 نوفمبر/ تشرين الثاني، بدأت الحرب في أفغانستان، والتي تعتبر جزءاً من الحرب على الإرهاب، وفي 20 مارس/ آذار 2003 شنّت الحرب على العراق، تحت شعار "أسلحة الدمار الشامل" بمشاركة دول أجنبية عديدة، وفي 16 مارس/ آذار 2004 بدأت الحرب في شمال غرب باكستان ضد القاعدة، والتي تعتبر جزءاً من الحرب على الإرهاب، وفي 7 أغسطس/ آب 2008 نشبت حرب بين روسيا وجورجيا، وفي 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2008 وقعت حرب بين إسرائيل وفلسطين (قطاع غزة)، وفي 31 يناير/ كانون الثاني 2009 بدأت الحرب في الصومال، والتي تعتبر جزءاً من الحرب على الإرهاب، أما الحدث الأبرز في منطقة الشرق الأوسط هو "الربيع العربي. في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2010 انطلقت الشعلة من تونس إلى مصر في 25 يناير/ كانون الثاني 2011، واليمن في 27 يناير/
كانون الثاني 2011، وليبيا في 15 فبراير/ شباط 2011، وسورية في 15 مارس/ آذار 2011.
اللائحة تطول والحروب والاعتداءات والهجمات الإرهابية لا تنتهي ولن تنتهي. لذلك، يا دعاة السلام، "كفاكم تعباً" لأنّ الشر متأصل في النفوس البشرية.
أصبحتُ أشكك أنَّ مسألة السلام هي كذبة أو ذريعة وراءها مشاهد وأحداث من القتل والظلم والإجرام وسفك الدماء. السلام لن يأتي على أيدي رجال دين ولا حكومات ولا قادة أو ملوك، وحدها الإنسانية قادرة على أن تحرّرنا وتجعلنا ننظر إلى بعضنا بعضا بروح الأخوة والمحبة والسلام. ولا خير في عالم يُقسّم المجتمعات حسب المناطق الجغرافية، والبشر حسب الانتماءات الدينية والعرقية والثقافية.
الكوكب الأرضي الذي نعيش عليه هو للجميع، ليس ملكاً لي أو لك أو لهم، إنما "لنا". لذلك فلنشبك الأيادي، ونضع الخلافات والأحقاد والضغائن وكل ما يفرّق جانباً. فما أجمل الحياة إذا كانت قائمةً على مبدأ المشاركة والاحترام. ما أجمل أن تصبح حدود الدول خطوطا وهمية نسخر منها وممن رسمها. ما أجمل أن ننهي جميع الحروب، ونضحك على أنفسنا وعلى غباوتنا البشرية الحمقاء. ما أجمل لو قمنا بتلف الأسلحة العادية والكيماوية والنووية. وما أعظم لو تخلص الشعب من جميع الحكام والملوك والسلاطين. عندها، كم كنا قد وفرّنا من دماء بريئة سُفِكت هدراً، وعائلات أصبحت اليوم مشردة، ومن ملايين الفقراء والأيتام والمساكين والأرامل، الذين ما هم إلا ضحايا الحقد والجشع البشري.
خدمة لجيوب الحكام ولبرامج الأسلحة الفتاكة والباهظة الثمن، أصبحت شعوب العالم فقيرة أو تحت خط الفقر، والقلب البشري تعيس، والنفوس تزداد حقداً بسب الحقن العرقي والطائفي والجغرافي والاقتصادي.
حياتنا واحدة لن نعيشها مرتين، فإلى كل من سلَّم رقبتهُ إلى حاكم أو نظام معين أو رجل دين أو رجل إقطاعي، أقول: "إذا كُنتَ تؤمن بالله واليوم الآخر فالله غير راضٍ عنك، وإذا كُنتَ مُلحداً فإنك سببٌ في تعاسة آلاف، لا بل ملايين القلوب البشرية التي تنشد السعادة مثلك، وأنتَ لستَ سوى خادم لمشاريع شريرة، غرضها التفرقة ونشر الضغائن بين البشر".
إليكم، يا شعوب الأرض، أرفع النداء وأقول "كونوا يداً واحدة اليوم وغداً، ثوروا على كل حاكم ومستبد، أعلنوا إنسانيتكم وجاهروا بها، فهذه الأرض لنا جميعاً، ولن تفلح جماعة أو دولة أو منظومة بالسيطرة عليها، لا اليوم ولا الغد، طالما أنَّ إنسانيتنا توحدنا".
501A9E68-8C18-4C80-BA7E-865C6A9550D1
501A9E68-8C18-4C80-BA7E-865C6A9550D1
محمد زريق (لبنان)
محمد زريق (لبنان)