لا عزاء منا لمقديشو!

لا عزاء منا لمقديشو!

18 أكتوبر 2017

دمار خلفه التفجير في مقديشو (15/10/2017/فرانس برس)

+ الخط -
الهجوم الإرهابي الذي هز العاصمة الصومالية مقديشو، وخلف زهاء 300 قتيل، ومثلهم من الجرحى والمصابين، لم يهز مشاعر الناس في بقية أنحاء العالم، كما لو أنه لم يحدث قط. لأنه وقع في بلد، بعيد ومنسي، ألف الناس أن لا تأتيهم أخباره إلا مقرونةً بالحروب والدمار والخراب والكوارث الطبيعة وعدد القتلى والجرحى الذين يسقطون فيه يومياً قدراً محتوماً.
وحتى برقيات التعازي الرسمية، وتصريحات المسؤولين الحكوميين عبر العالم، للتعبير عن التضامن والتعاطف، تأخرت أكثر من أربع وعشرين ساعة، وكأن أصحابها لم يصدقوا الصور القليلة التي كانت تبثها وكالات الأنباء العالمية عن حجم الدمار في عاصمةٍ، تعيش على وقع دمار يومي منذ أكثر من عقدين.

كان منظراً ومشهداً محزناً في مقديشو لأناس فقراء منهكين، وهم يزيلون الحجارة والتراب بأيديهم العارية والهزيلة، بحثاً عن ضحاياهم المطمورين تحت ركام هائل من الخراب أشبه ما يكون بالزلزال، فيما لم تسارع أي دولة إلى إرسال فرق للإنقاذ والإسعاف وطائرات الدواء والمؤونة، باستثناء قطر وتركيا، كما تعودنا أن نشهد عندما كانت تقع هجمات إرهابية في مدن وعواصم غربية، عندما كانت تتنافس حتى الدول والحكومات الفقيرة، وأغلبها عربية وإسلامية، في إرسال معوناتها إلى عواصم تلك الدول الغربية، تجملاً أو تزلفاً أو خوفاً، أو لا أعرف لماذا.
وحتى في العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي التي كان يسارع روّادها إلى ترديد شعارات من قبيل "كلنا باريس" أو "كلنا لندن" أو "كلنا برلين"، عندما كانت تقع أحداث إرهابية في هذه العواصم الأوروبية، نسوا أن مبدأ التضامن كوني، وليس مرتبطاً بجنسية أو لون أو دين الضحية.
على الرغم من ارتفاع حصيلة الضحايا التي قد تتجاوز 300 قتيل، لم نشهد موجات التعاطف 
والتضامن والتنديد والشجب، كما كان يحدث عندما كان يسقط ضحايا أعمال إرهابية في إحدى العواصم الأوروبية أو المدن الأميركية. هل كان العالم ينتظر عدداً أكبر من الضحايا وخراباً أكبر في دولةٍ تحولت إلى خراب منذ زمن بعيد، حتى باتت نسياً منسياً، ليتحرّك؟ أم فقط لأن الأمر يتعلق بضحايا، بشرتهم سمراء في بلد اسمه الصومال، قتلهم متطرفون صوماليون.. لذلك لا أحد يهتم، ولا أحد يعلن الحداد، ولا أحد يشجب أو يندد أو فقط يغير صورة "البروفايل" ويضع مكانها صورة الخراب، لأنه لا أحد منا يعرف ألوان العلم الصومالي حتى يتدثّر به.
عندما تعرّضت نيويورك قبل نحو 16 سنة لأكبر هجوم إرهابي في التاريخ، تشكل أكبر تحالف عالمي لمواجهة الإرهاب، وكانت نتيجته تخريب دول وتدميرها وإبادة شعوبها وتشريدها، وما زالت تداعيات ردة الفعل الانتقامية تلك تتفاعل. وعندما تعرّضت باريس لهجمات مماثلة قصفت الطائرات الحربية الفرنسية مواقع التنظيم الإرهابي الذي تبنى تلك الأعمال الجبانة في سورية والعراق. اليوم تتعرض مقديشو لأكبر هجوم دموي لم يسبق أن شهدت مثله في تاريخها المأساوي، وكل ردود فعل عواصم العالم هو التعاطف والتضامن والمواساة، وكأن الأمر يتعلق بكارثة طبيعية، مثل الجفاف والجوع الذي ألف الصوماليون التطبيع معه منذ 40 سنة ونيف، في لا مبالاة من العالم.
يحمل ما شهدته مقديشو عدة رسائل خطيرة إلى المجتمع الدولي، قبل أن تكون موجهة إلى الداخل الصومالي، أن التنظيمات الإرهابية عبر العالم، وكلها على دين واحد هو دين القتل،
 تريد أن تقول للعالم إن القضاء على أوكارها الإرهابية في العراق وسورية لا يعني بالضرورة نهايتها، فهي مازالت نشيطة في افريقيا، وسقوط "إماراتها" في الشام والعراق يفتح الباب لأنصارها لـ "الهجرة" إلى أرض الصومال المستباحة. وبالنسبة للصوماليين، جاء هذا الهجوم الدامي ليعلن نهاية "الربيع الصومالي" الذي دشنه انتخاب رئيسٍ، قبل سبعة أشهر، وعد مواطنيه بالسلام والاستقرار. لكن الرسالة السلبية والمؤلمة التي حملتها هذه المأساة هي التي جسدها رد الفعل الدولي تجاهها، وخصوصاً رد الفعل الشعبي الذي بدا غائباً عن مأساة الصوماليين، فقط لأنهم يعيشون في بلد فقير في قارة فقيرة، تعودت شعوبها أن تنهشها الحروب، وتفتك بها الأوبئة، وتمحقها الكوارث الطبيعية في صمت العالم ولا مبالاته.
هل يجب أن ينتظر الغرب حتى يتبنى متطرفون صوماليون أعمالاً إرهابية في دوله، كي يتحرك كما فعل سابقاً في أفغانستان والعراق، ويفعل حالياً في سورية لاستئصال الإرهاب من جذوره في أرض الصومال التي ما زالت ترتع فيها تنظيمات إرهابية، لا تخفي إيديولوجيتها العنصرية والمتطرفة، مثل "حركة الشباب" الإرهابية؟
يعد هجوم مقديشو الإرهابي من أكثر الهجومات الإرهابية عنفاً ودموية منذ تفجيرات "11 سبتمبر" في 2001 في الولايات المتحدة، ولا يجب التعامل معه حادثاً مأساوياً يحدث دائماً في بلد يكاد يكون منسياً، لأن من خططوا له وموّلوه يريدون إرسال عدة رسائل إلى جهات داخل الصومال وخارجه. وليس الرد على هذا الهجوم بالضرورة بطلب تدخل دولي جديد في أرض الصومال، وإنما دعم حكومتها الديمقراطية ومساندتها، للقضاء على تنظيمها الإرهابي، فالالتزام الدولي بمحاربة الإرهاب لا يجب أن يكون فقط عندما يكون ضحاياه غربيين، أو عندما يمس مصالح الغرب، أو يضرب مناطق فيها مصالح غربية.
D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).