ضمانات الرحيل

ضمانات الرحيل

18 أكتوبر 2017
+ الخط -
لا يحتاج الشرفاء الصادقين عند ترك مناصبهم إلى ضمانات بعدم التحقيق والمحاسبة فيما بعد، فهم يشعرون أنّ المنصب تكليف لا تشريف، وأنّ كل ما قام به، خلال توليه المنصب، كان من أجل المصلحة والمنفعة العامة وتحقيق آمال الشعب، وليس لأهداف ومنافع شخصية أو فئوية، لذلك فهو لا يخاف من أحد، ولا يخشى الحساب، ولا يطلب ضمانات عند رحيله وما زال الفريق عبد الرحمن سوار الذهب في السودان نموذجاً للجميع، حين أدرك أنّه قام بما يجب عليه، فترك المنصب زاهدا فيه، عازما عدم العودة إليه، وعاد إلى صفوف الشعب، فردا منهم ومواطنا مخلصا وفيا أمينا فاحترمه الجميع ومازالوا وصار قدوة لغيره.
وعلى النقيض من ذلك، شاهدنا رؤساء لا يتركون مناصبهم إلا بفضيحة أو فضائح عدة، والأغرب أنهم يشترطون ضمانات قبل تركهم مناصبهم بعدم المساءلة فيما بعد. وعلى سبيل المثال، نتذكر جميعا رئيس الولايات المتحدة الأسبق، ريتشارد نيكسون، فبعد إثارة فضيحة التجسس على هواتف الحزب الديمقراطي في أثناء الانتخابات الأميركية 1972 وبعد 18 شهرا من التحقيقات التي أثبتت مسؤوليته عما حدث تقدم باستقالته في أغسطس/ آب 1974 مقابل عدم محاكمته جنائيا، وهو ما تم بالفعل في سبتمبر/ أيلول 1974 عندما أصدر الرئيس التالي بعده، جيرالد فورد، عفوا رئاسيا كاملا عنه .
هذان نموذجان، الشريف الأمين الذي يغادر موقعه من دون ضمانات، والفاسد الخائن الذي يصر على ضمانات قبل رحيله عن منصبه، وسيظل نموذج سوار الذهب فريداً في عالمنا العربي. وعلى الرغم من ذلك، يبقى السؤال: أيهما أكثر ضرراً على الشعب، إعطاء ضمانات للرئيس الخائن الفاشل بعدم المحاكمة أم استمراره في الحكم بالغش والقهر والتزوير؟
من الأفضل الآن لأي شخص ينوي الترشح للرئاسة أن يعلنها صريحة واضحة، لا محاكمة ولا محاسبة بعد الرحيل. هكذا فقط يمكن أن يرحل، ويمكن أن تتم الانتخابات بنزاهة وحرية من دون غش ولا تزوير. هكذا فقط يمكن أن يجد الشعب متنفسا وملاذا يلجأ إليه، وإلا سيظل مسجونا داخل الأسوار وخارجها.
قد يصرّ بعضهم على محاكمة الظالم الخائن لوطنه وشعبه، طبقاً لقانون العدالة، وتأكيدا لمبادئ العدل والحق والنزاهة وعلى الجانب الآخر، يرى بعضهم أنّ رحيل الفاسد الظالم ولو بدون مساءلة أقل ضرراً على الشعب من استمراره.
المحاكمة بعد الرحيل سيطول أمدها، ولن تفيد الشعب في شيء، ولن تعيد ما فقده الوطن، كما أنّ الضمانات أقل ضرراً على الشعب والوطن. لذلك فشعار "اتركوه يرحل ويكفينا شره" قد يكون له صدى بين الجميع.
795B9830-8541-444B-B4A4-35AB0D11D51C
795B9830-8541-444B-B4A4-35AB0D11D51C
محمد لطفي (مصر)
محمد لطفي (مصر)