بغداد وأربيل.. حسم مؤجل

بغداد وأربيل.. حسم مؤجل

17 أكتوبر 2017
+ الخط -
منذ تفجرت أزمة استفتاء كردستان العراق الذي جرى في 25 من سبتمبر/ أيلول الماضي، والموقف الأميركي تشوبه كثير من علامات الاستفهام والغربة وحتى التناقض، فهي تارة مع استفتاء الإقليم على اعتبار أنه حق لأي شعب، وفي الوقت نفسه، تقول بياناتها الرسمية غير ذلك، فهي لا تريد أن يفتح الاستفتاء بابا آخر من أبواب الحرب أو الاقتتال أو حتى الأزمة في وقتٍ ما تزال جيوب تنظيم الدولة الإسلامية تهدد مناطق عديدة في العراق، ولم يتم القضاء عليها.
في المقابل، فان موقفها من رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، وحكومة بغداد، قد يختلف قليلا عن غرائبيته مع الأكراد، فهي تظهر بشكل جلي دعمها العبادي إزاء الإجراءات التي اتخذها ضد الأكراد. وفي الوقت نفسه، يقول قادتها على الجبهات إنهم لن يسمحوا بأي اعتداء على القوات الكردية، بل شهدت الأيام الأخيرة تعزيزات عسكرية أميركية إلى قواعدها في أربيل، وحتى إلى بعض مواقعها المتقدمة.
ويبدو أن وراء هذه الزئبقية في الموقف الأميركي حيال ما يجري في العراق اليوم ما وراءها، فالولايات المتحدة تشعر بوطأة ملف العراق الذي تخلت عنه ذات يوم لإيران، يوم أن وصفه الرئيس السابق، باراك أوباما، بأنه إرث بوش القذر، ووعد بسحب قواته من العراق، وهو ما جرى في 2011 ، حينها جاءت إيران لتسد الفراغ الذي حصل، مستغلة تلك الأرضية التي صنعتها أميركا، والتي اتسمت بطائفيةٍ مقيتةٍ، شملت كل أركان البلاد والعباد، وصولا إلى عملية سياسية، لا ينفع القول إنها عرجاء فقط، فهي عرجاء وصماء وكسيحة.

تريد أميركا اليوم إعادة ترسيم حدود العملية السياسية في العراق، ليس لترميم أخطائها، ولا من أجل أن تصلح أخطائها، وإنما لأنها باتت تدرك أن خروجها من العراق بالطريقة التي خرجت بها جعلها كالتي غزلت غزلها ونقضته، بعد وقت طويل، فلم تستفد أميركا من خسائرها الكبيرة في العراق الكثير، بل وصل الحال بها إلى أنها لم تعد حتى مؤثرة في المشهد السياسي العراقي.
تدفع أميركا اليوم غرماء السياسة في العراق من أجل مواجهة محكومة، أو هذا ما تريده، مواجهة لا رابح فيها إلا مصلحة أميركا، هي اليوم تريد أن تعيد وجودها في العراق، تعيد نفوذها الذي أفل، وهي تدرك أن ذلك لا يمكن أن يكون من غير مشكلة كبرى، أزمة تضرب هذا المكان أو ذاك من العراق، وهي التي توفرت بظهور تنظيم داعش، لكنها غير كافية. وبالتالي، بات لزاما أن تكون هناك مشكلة أخرى، طابعها سياسي، وألا يستبعد العسكري منها فكانت أزمة الاستفتاء.
تحدث الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الجمعة الماضية، عن استراتيجيته الجديدة لمواجهة إيران، ورفض التصديق على الاتفاق النووي معها، وأحاله إلى الكونغرس، بعد أن وصفه بأنه أسوأ اتفاق تعقده الولايات المتحدة في تاريخها، وأعاد مجدّدا الحديث عن إرهاب إيران الذي يضرب الشرق الأوسط ودعهما المليشيات في سورية والعراق، وإذا كانت الولايات المتحدة قد أوكلت مهمة تحجيم نفوذ إيران في سورية إلى روسيا، فإنها على ما يبدو ستأخذ هذه المهمة على عاتقها في العراق.
لا تريد إيران اليوم أن ينفصل أي جزء من العراق، لا حبا بوحدة العراق، ولكن طمعا به كله، فلماذا ينفصل جزء هنا أو آخر هناك، ما دامت السياسة في العراق يديرها موالو إيران، وما دام العراق كله يمكن أن يصبح في قبضة إيران، وبالتالي فإن التصعيد الكبير في الموقف العراقي من أربيل جاء بدفع واضح من إيران، ولعل زيارة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، عدة جبهات على خط التماس بين القوات الكردية والعراقية في كركوك دليل آخر على رغبة إيران بمعاقبة الكرد على الاستفتاء.
ستسعى إيران إلى مواصلة دفع حكومة بغداد إلى التصعيد ضد الأكراد، ليس من مصلحة إيران أن تجلس الأطراف العراقية المختلفة، على طاولة حوار برعاية أميركية. وبالتالي، ما جرى في طوز خورماتو من مواجهات بين الحشد الشعبي والقوات الكردية يمكن أن يؤدي إلى إشعال فتيل حرب، وهو ما تسعى إليه إيران، على الرغم من أن بغداد لا ترغب بذلك وأيضا أربيل.
الخطة الأميركية هي جلوس الأطراف العراقية على طاولة الحوار. والإشارة هنا إلى أن هذه الأطراف ليست الكردية وتلك التي تمثل حكومة بغداد وحسب، وإنما الأطراف هنا هي مكونات العراق الثلاثة الكبرى، السنة والشيعة والأكراد، بل تفيد معلومات بأن رئيس الإقليم في كردستان العراق، مسعود البارزاني، أشار بذلك إلى قادةٍ التقوا به قادمين من بغداد.
تبحث أميركا اليوم عن تقزيم دور إيران في العراق، لأنها تعهدت بذلك يوم أن ذهب ترامب إلى الرياض، وتلقى مليارات الخليج. وهذا يستدعي بالتأكيد أن تضع واشنطن قدمها بقوة في بلاد الرافدين، ولكن دون أن يكون هناك مواجهة صريحة مع الحرس الثوري الإيراني، لأنها تعرف أنها مواجهة مكلفة، ولعل أفضل السبل هو اصطناع المشكلات.
سيعني ذلك كله أننا مقبلون على مواجهةٍ قد تفلت، في لحظةٍ ما، من عقالها، الأمر الذي قد يفجر أزمة أخرى، ليس في العراق فقط، وإنما في المنطقة عموما، المنطقة التي تشهد أيضا ولادة تحالفاتٍ جديدةٍ، لا يبدو أن العراق سيكون بعيدا عن محاورها.
ذات يوم كتبت المس بيل التي توصف بأنها صانعة الملوك، وراسمة جغرافيا العراق الحديث "لن أسعى إلى خلق ملوك مرة أخرى، إنها عملية متعبة جدا". فعلا إنها عملية متعبة جدا، خصوصا لبلد مثل العراق، تتجاوره دول إقليمية كبرى، لا تخفي أطماعها، ويمتلك ثروة نفطية ومعدنية تشكل أكثر من ربع ثروات العالم.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...