السعودية وعالمٌ متعدّد الأقطاب

السعودية وعالمٌ متعدّد الأقطاب

16 أكتوبر 2017

الملك سلمان في ضيافة بوتين في موسكو (5/10/2017/Getty)

+ الخط -
هل تحتاج السعودية إلى عالمٍ متعدِّد الأقطاب؟ لا بد أن هذه الدولة هي الأحوج، من بين جميع دول العالم، إلى عالمٍ كهذا، وهي الواقعة في عين عاصفة الابتزاز التي تحرِّك الولايات المتحدة الأميركية رياحها. وربما صعود إيران، وانتكاسات السعودية المتواصلة التي كرَّست فشلها في أن تصبح قطباً إقليمياً، هو ما دفع قيادتها إلى الذهاب إلى الأرض المحرَّمة، موسكو، وإبرام الاتفاقيات معها، على تواضعها، لمدها بالعون الذي يعيد روسيا قطباً في وجه الولايات المتحدة، علَّ الثقل الأميركي الممارس على الرياض ينزاح أو تخف وطأته.
لعقودٍ كانت السعودية ركناً أساسياً يجري الاعتماد عليه في تمدُّد مشروع السوق العالمية، وأخضعت اقتصادها، ومشروعها الاجتماعي لمعايير تلك السوق، وفق المواصفات التي وضعتها القوى الكبرى، مخططةُ تلك السوق والمتحكّمة فيها. لكنها وجدت نفسها أداةً، بدلاً من أن تصبح قطباً إقليمياً، تعتقدُ أن عوامل عدة توفر لها إمكانية تبوؤه، ليس أقلها ثرواتها ومركزيتها المعنوية، المثمرة مادياً، في قلب العالم الإسلامي. ولا بد أن المسؤولين في الرياض توصلوا إلى هذا الاستنتاج، خصوصاً بعد فشل الحرب التي يخوضونها في اليمن، والتي لم تحقِّق لهم ما تحقَّقَ لإيران في حروبها في العراق وسورية واليمن، وقد راكمت هذه على رصيدها الذي تكوَّن بفعل دورها القديم في لبنان، وثقلها على ساحته السياسية. ولم تكتمل صحوة المسؤولين السعوديين من سكرةِ ذلك الفشل، حتى جاءت انتكاستهم في قطر التي تسببت بها منعة هذه الدولة في وجه إملاءاتهم، وهي انتكاسةٌ تعاظمت آلامها مع وأدِ مشروع اجتياح الأراضي القطرية، التعويضي، براً، والذي تسربت الأنباء حول جهوزيته، وأنه كان في انتظار ساعة الصفر للشروع فيه.
قد يكون ما تقدم سرده، وعوامل أخرى، هو ما دفع القيادة السعودية إلى التوجه إلى موسكو، إذ إن الفراغ الذي حلَّ بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وبحث الولايات المتحدة عن عدوٍّ، وجدته في ما بعد في ما سمي "الإرهاب الإسلامي"، جعلها تستبيح دول العالم في حروبٍ متفرِّقةٍ، كانت السعودية تتحمل معظم فواتيرها، بحجة أنها توفر لها الحماية. ومن المعروف أن انهيار الاتحاد السوفييتي أدّى إلى تفكك النظام القديم، القائم على توازن القوى العظمى، الذي كرَّسته ثنائية القطبية العسكرية التي كانت، وللمفارقة، باعثاً على اطمئنان بعض الدول، ومنها السعودية. وقد نُقِلَ إن ملكها الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، أشار عند انهيار أحد القطبين، الاتحاد السوفييتي، إلى خسارةٍ لحقت ببلاده جراء ذلك.

تركز النظرة الأميركية إلى السعودية على اعتبارها دولةً أشبه بالطرفية، حيث يجري تهميش دورها ووقفه على التمويل، أو الإنقاذ المالي حين تضرب الأزمات الاقتصادية الغرب. طبعاً، سبب إعطائها هذا الدور هو ارتباطها بقطبٍ واحدٍ، بينما الحريُّ بدولةٍ تبحث عن دورٍ إقليميٍّ أن تسعى إلى فك ارتباطاتها التي على تلك الشاكلة. ولزام عليها، من أجل تحولها إلى قطب إقليمي، إحداث تنميةٍ متوازنةٍ ومستدامة في البلاد، يساهم في نجاحها تنويع المصادر والارتباطات، علاوة على الشرط المحرّم، وهو دمقرطتها، وبمجموعها شروط لازمة لها، إن أرادت إيجاد موطئ قدمٍ لها في حقلٍ يشغله الكبار.
وحيث إن شرط فك ارتباطها الخارجي بقطب واحد، من أجل تحقيق التنمية الحقيقية، صعب التحقق، لم يبقَ للسعودية سوى دعم قوة مؤهلة، وتسعى، لأنْ تصبح، قطباً، روسيا، يزيل عن كاهلها أعباء يحمِّلُها إياها ذلك القطب الأوحد، أميركا. وحيث إن السعودية، ودولاً كثيرة غيرها من دول العالم الثالث، لم تحظَ بحصّةٍ من حصص تقسيم العمل العالمي الذي يتوقف على دول الغرب، يؤمن للمحظيين منهم مكانة على الساحة الدولية، فإن أي تطورٍ، في هذا الاتجاه، كان يحتاج إلى إحداث تغييراتٍ في بنية نظامها، تقوم على المشاركة، أي التعدّدية، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، وهو ما يعد من المحظورات على أرض المملكة. لذلك، بقيت في التصنيفات الدولية، دولةً تابعةً، لا يغيِّر في وضعها مراكمتها السلاح عقودا، أو الكُتل النقدية الهائلة، العقيمة، التي تقبع عليها. يضاف إلى ذلك، تمنُّعها عن الاندماج في ائتلافٍ حقيقيٍّ، على الصعيد الإقليمي أو العالمثالثي، تجعل منه أو من دُوَله ذات وزنٍ فاعلٍ ومؤثِّرٍ في القرار الدولي، واستمرار هذا الوضع، بل والتوجه نحو ضرب ائتلافاتٍ قائمة، كما يحدث الآن مع مجلس التعاون الخليجي، المهدَّد بالتفكُّك، إن استمرت سياسات دول الحصار الأربع في التعامل مع قطر على الشاكلة الراهنة، مع العلم بأن المجلس الذي بقي متعثراً، بسبب كونه، واستمراره، فوقيّاً، لم يراعِ البعد الشعبي الضامن نجاح ائتلافات مشابهة.
إن كان توجه قادة السعودية إلى موسكو بدافع البحث عن قوى جديدة لتغيير موقعها الحالي، أو تحييد الثقل الجاثم عليها، واستعدادها دفع تكاليف ذلك، فقد توجَّهت الوجهة الصحيحة، فالروس في حالة بحثٍ عن نقاط قوةٍ وحلفاءٍ وداعمين ومموِّلين، وسيتلقفون مبادرتها ويدفعونها إلى أبعد مدى تستطيع الوصول إليه، وما موافقتهم على بيعها منظومة صواريخ إس 400 بالغة الحساسية، سوى إشارة إلى هذا. لكن، يبقى ما يتطلَّب من السعودية ذاتها من شروطٍ يجب أن توفِّرها داخلياً، حتى لا تكرّر مع الروس، الساعين نحو مصالحهم، ونحو عودة دولتهم قطباً عالمياً، ما تكرّره مع أميركا، وغيرها من دول الغرب.
46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.