نقد "الفرح" العربي

نقد "الفرح" العربي

14 أكتوبر 2017

(إيلي كنعان)

+ الخط -
لا ينتهي أي مجتمع أو يسقط في روتينه القائم على الفناء الذاتي، سوى حين ينتهي "حق النقد" أو "الاحتجاج" أو "الإضاءة على المشكلات"، بحجة اعتبارها عن خطأ بمثابة "ورقة نعوة" أو "طاقة سلبية". وكل من يبحث عن "فرح" ما بمعزل عن ممارسته للنقد أو الاحتجاج أو الإضاءة على المشكلات، على ما يُعدّ تعدياً على الحقوق البديهية لكل إنسان، هو إما جاهل معنى "الفرح" الساعي إليه أو "مستفيد"، بطريقة ما، من بقاء الروتين وغياب المعالجات الهادفة لتطوير بنية المجتمع.
في لبنان، تبدأ الأمور أقرب إلى الروتين القاتل. فأن ترى شخصاً يعتبر نفسه مثقفاً، وهو ينتقد مفهوم الاحتجاج أو النقد أو الإضاءة على أي قضية، خصوصاً قضية الضرائب الأخيرة، فقط لأنه يريد تضخيم "إيجابية" ما لدى السلطة اللبنانية، وهي قد تكون خلاصةً بديهيةً لدور واجب عليها في خدمة المواطن، يعني أن هذا الشخص لم يهتم أساساً لقضية إنسانية، بقدر اهتمامه فقط بصورة زعيم أو حزب، ولو على حساب حقوقه الفردية والمجتمعية الخاصة. هذا النوع من المثقفين أو الأشخاص هو أكبر مشكلة لكل مجتمع، كونه نوعاً يعمل بدأب على تبرير كل أفعال السلطة وقراراتها المجحفة.
في مصر، يُمكن للرئيس عبد الفتاح السيسي الاطمئنان، فالمنتخب المصري لكرة القدم تأهل إلى كأس العالم الصيف المقبل في روسيا. وُجب استثمار النصر الجميل للفراعنة في صالح ترسيخ نفوذ السلطة، وهو أمر اعتادت عليه الأنظمة العسكريتارية والديكتاتورية، من الأرجنتين إلى إسبانيا، مروراً بألمانيا وإيطاليا والاتحاد السوفييتي. سيُتيح تأهل المنتخب للنظام المصري في تمرير كل ما يُمكن تمريره سياسياً، سواء بالتجديد الرئاسي للسيسي، أو إقرار قوانين متعلقة بإحكام القبضة على البنية الدولتية.
في سورية، أدت كرة القدم إلى تكريس حالة انقسام لدى السوريين، بين داعم للمنتخب الكروي أو معارض له. وقد استثمر النظام خير استثمار المراحل النهائية للتصفيات الآسيوية المؤهلة للمونديال، للإطلالة على المجتمع الرياضي الدولي مجدّداً، من بوابة اللعبة الأولى في العالم. فكان تعاطف الجميع مع "منتخب آتٍ من بلاد مدمّرة" أكبر من مجرد طرح سؤال "ما الذي حدث ويحدث في سورية منذ ست سنوات؟". بالطبع، لن يسأل أحدٌ، فما حدث قد حدث.
في لبنان وسورية ومصر، مع تفاوت أوضاعها، سقطت قوة حق النقد أو الاحتجاج أو الإضاءة على مشكلة، أقلّه حتى إشعار آخر. في بيروت، كانت عملية الإسقاط إرادية، مع اقتناع الأغلبية الصامتة بأنه لا قدرة لها على التغيير، في ظلّ الترسبّات الطائفية والسياسية المعطوفة على استمرار أمراء الحرب الأهلية (1975ـ 1990) في نهب مقدرات الدولة وتوزيع مغانمها، وإدراك المحازبين أو المستفيدين من السلطة بأنهم "قادرون على لعب الورقة الطائفية والمناطقية لحماية نفوذهم". وفي دمشق، لم يعد أحدٌ تقريباً يرغب في الانتقاد، لكي لا يصبح مصدر مساءلة ثم يدفع ثمن ذلك، خصوصاً أن الشواهد القريبة والبعيدة لا تُشجّع على ذلك. وفي القاهرة، يُمكن إبعاد شبح انتهاء إثيوبيا من إكمال تشييد سدّ النهضة، عبر التركيز على محمد صلاح ورفاقه في ملاعب موسكو وسان بطرسبرغ وغيرهما، فالتعمية على قضيةٍ تمسّ نهر النيل باتت حاجة أساسية للنظام المصري، في ظلّ نموّ ديمغرافي متسارع، تجاوز فيه عدد المصريين المائة مليون نسمة.
الخطوة الأولى لتفعيل حق النقد والاحتجاج والإضاءة على المشكلة تبدأ من الدواخل الفردية، بسؤال واحد: "ماذا سأستفيد من دعم نظام أو حزب أو سلطة، إذا كانوا يعملون لتثبيت نفوذهم على حساب حقوقي وحقوق المجتمع البديهية؟". مجرد طرح السؤال بعيداً عن أوهام التعلق بزعيم ما يُفترض أن يكون خطوة أولى نحو "السعي إلى تأمين الفرح المستدام" المرتبط بيوميات حياتنا، لا اعتبار السؤال نفسه بأنه "طاقة سلبية". هناك عقلية ما عليها أن تتغير.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".