يوميات عدنان أبو عودة

يوميات عدنان أبو عودة

12 أكتوبر 2017
+ الخط -
يعكف السياسي الأردني، عدنان أبو عودة، منذ مدة، على كتابة مذكّراته، المرجّح أن تشتمل على المعروف من سيرته، الشخصية والسياسية، ومن مساره في العمل العام، وزيرا ومسؤولا رفيعا، وقريبا، في سنوات غير قليلة، من الملك حسين، حيث كان موضع ثقته ومن أهل مشورته. والمتوقع أن "تُلملم" المذكرات، قيد التدوين، ما "حكاه" أبو عودة في مقابلاتٍ صحافية وتلفزيونية عديدة، على أنه يبقى مُطالبا بكشف خبايا مستورة، أو بإضافة جديدٍ لم يقله من قبل. والحاجة، في كل الأحوال، ملحّة من الوزير المثقف، ورجل الدبلوماسية والإعلام، والمنظّر والمحلل السياسي، أن يُصدر مذكّراته، المأمول منها أن تتضمن مراجعاتٍ من صاحبها لخياراتٍ اتخذها، ومواقف تبنّاها، في عدة محطاتٍ في تجربته العريضة، منذ انتسابه إلى حزب التحرير الإسلامي في يفاعته، مرورا بعمله في المخابرات العامة، ثم وزيرا في غير حكومة، ووزيرا للبلاط، ورئيسا للديوان الملكي، ومندوبا للأردن في الأمم المتحدة، وأخيرا مستشارا سياسيا للملك عبدالله الثاني.
إذا بادر "أبو السعيد" إلى إنجاز هذه المذكّرات الموعودة، وهو الذي يكتبها في عقده الثامن، فإنه يصنع مألوفا ومعهودا، وإنْ يبقى هذا المألوف المعهود شحيحا في الأردن، إذ يتحرّز السياسيون، ومن تصدّروا مواقع المسؤوليات الأولى في العمل العام، من تدوين مذكّراتهم، ومن التصريح عما شاهدوه وشاركوا فيه. أما الذي فعله أبو عودة في نحو عشرين عاما، عندما كان يكتب ما رأى وما سمع وما قال، بشأن وقائع كان حاضرا ومشاركا في غضونها، فإنه زاول، في هذا الأمر، استثناءً غير معهود. .. كان يكتب ويكتب، وليس في باله نشر ما كان يكتب ويكتب، حتى إذا حرّضه من حرّضه، أخيرا، على "إحياء" أوراقه ويومياته تلك، لنشرها، أو نشر كثيرٍ مما يُختار منها، تجاوب، فتيسّرت مادةٌ غنية بالوفير من المعلومات والإضاءات الموثقة على مقاطع أردنية وفلسطينية، وعربية عموما، في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، اجتمعت مدقّقة، بجهد من الزميل معين الطاهر، من دون تدخلٍ من أي نوعٍ فيها، حفاظا على زمنيّتها، وانتسابها إلى مرحلتها التاريخية، لتعكس منظور صاحبها في لحظة كتابتها، وليس في لحظة نشرها. وهكذا جاء الكتاب المثير والفائق الأهمية "يوميات عدنان أبو عودة 1970 – 1988"، وقد أصدره، قبل أيام، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ضمن مصنّفات "مذكرات وشهادات"، التي منها في إصدارات سابقة "الرواية المفقودة" لفاروق الشرع، و"الحرب العراقية الإيرانية .. مذكرات مقاتل"، للفريق أول نزار الخزرجي.
ليس وحده صدور "يوميات عدنان أبو عودة.." مناسبة التنويه هنا بها، وبأهميتها للعمل البحثي في غير موضوع، ولا سيما العلاقة الأردنية الفلسطينية، وإنما أيضا ما شهدته عمّان، مساء الثلثاء الماضي، عندما تقاطر إلى ندوة حفل إشهار الكتاب حشدٌ من النخبة الأردنية، في مواقع الحكم سابقا، وفي المعارضة، وفي العمل العام، وفي النسق الحزبي والأهلي والمدني، في واقعةٍ تكاد تكون غير مسبوقةٍ بشأن حفل توقيع كتاب، ومن ذلك أنها المرة الأولى التي تجمع فيها مناسبةٌ "ثقافيةٌ" غير رسمية كهذه، في الأردن، سبع رؤساء حكوماتٍ سابقين، فضلا عن شخصيات وازنة كثيرة. وذلك للمكانة الخاصة التي تأتت لصاجب اليوميات في الذاكرة السياسية الأردنية، وللاستثنائية العالية التي يتصف بها كتاب يومياته. وكان مفيدا، إلى حد بعيد، أن الحضور الكبير، والمتنوّع، استمع إلى ثلاث إضاءاتٍ على الكتاب، تخفّفت من البروتوكولية ومن التحسّب من المطارح الحساسة في حالة عدنان أبو عودة، الفلسطيني الأرومة، رجل الدولة الأردني، ضابط المخابرات في أيلول 1970، المهجوس، منذ منتصف السبعينيات، بمسألة الإقليمية بين المكوّنين الشرق أردني والفلسطيني في المجتمع السياسي الأردني، كما يتبيّن في يومياته وأوراقه.
كانت هذه التظاهرة، في مسرح مركز الحسين الثقافي في عمّان، شديدة الدلالة بشأن حاجة الأردنيين إلى التعرّف جيدا على أرشيف بلدهم على المستوى السياسي، وإلى مناوشة ماضيهم من دون حساباتٍ ومجاملات. وقد أحسن المتحدثون الثلاثة، علي محافظة ومروان المعشر ومحمد أبو رمان، في إتيانهم على هذا الأمر (وغيره) بمقادير طيبة من الصراحة والعلمية، بل ومن الشجاعة أيضا، ما اتسق مع كثيرٍ من "بقّ البحصة" في يوميات عدنان أبو عودة، في غير مسألةٍ، وفي غير زمن.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.