ولادة متعسرة في القاهرة

ولادة متعسرة في القاهرة

02 أكتوبر 2017
+ الخط -
تقول جدتي "إنّ إحدى السيدات أرادت أن تستعين بأحد العرافين ليصنع لها "تعويذه"، من أجل ترويض أفكار زوجها، وجعله مطيعا لها، وأن يسمع كلامها ويلبي طلباتها.
تحمّس العراف للفكرة، وطلب منها إحضار شعرتين من دقن القرد وعصا طويلة، تشجعت السيدة للفكرة، وقالت في نفسها إنّ المطلوب يمكن تحقيقه. اشترت السيدة بعض الفواكه والمكسرات، وذهبت إلى حديقة الحيوان، وأطعمت القرد حتى كاد أن يشبع من الفاكهة والمكسرات، وتحايلت عليه، واقتصت الشعرة الأولى من دقن القرد. ولم يعجب هذا الأمر القرد، غضب وزمجر وخدش يد السيدة، وأصابها بالجروح، ومن ثم عاودت الكرة في اليوم الثاني، وحصلت على الشعرة الثانية من دقن القرد، مع تنهيدة كبيرة على أنها أنجزت المستحيل.
حملت السيدة شعرتي القرد، وذهبت بها إلى العراف، الذي استقبلها بابتسامة عريضة، وقال لها: هنيئا لك، لقد نجحت في المهمة.. أين العصا؟ فقالت: هذه هي العصا؟ أمسكت بشعرتي القرد ووضعتها في يد العراف. ابتسم العراف، وقال لها من استطاعت أن تتحايل على القرد، وتختطف شعرتين من دقنه بالتأكيد قادرة على أن تتحايل على زوجها وتجعله يلبي رغباتها، وأمسك العراف بالعصا وضرب السيدة التي لم تحسن التعامل مع زوجها.
الخصوم الفلسطينيون هم كالسيدة التي ذهبت للعراف، من أجل ترويض زوجها، فالوطن وهمومه لا تحتاج دوما أن يذهبوا إلى دول الجوار من أجل تحقيق مصالحتهم، والتي هي بين أيديهم وتطبيقها لا يحتاج إلى شعرات القرد من أجل ضمان تنفيذها، ما تحتاجه المصالحة إرادة وطنية فلسطينية وثقة متبادلة ما بين هؤلاء الخصوم.
بطريق العودة إلى الرابع من مايو/ أيار 2011، كان لا بد أن تنتهي تفاصيل الانقسام الفلسطيني بضرورة إجراء الانتخابات الفلسطينية، وتفعيل منظمة التحرير، وإنجاز المصالحة الفلسطينية على الأرض، ولكن من يومها والمصالحة تراوح مكانها، وصولا إلى محطة مهمة، وهي اتفاق الشاطئ في عام 2014 قبيل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. ومنذ ذلك التاريخ، نعيش أحلام تحقيق بنود المصالحة المتعثرة وبنودها، بفعل تبعات العدوان الإسرائيلي تارة، وأيضا لعدم وجود "عراب" جديد يرعى اتفاق المصالحة، حتى وصلنا إلى القاهرة 2017، بتطورات جديدة أهمها:
الأول: أن حركة حماس عدلت من ميثاقها، وأطلقت ميثاقا جديدا لها أكثر وضوحا وشمولا وأكثر واقعية، وقريبا من التطبيق على أرض الواقع، بالإضافة إلى تعيين قائد جديد لحركة حماس في القطاع، وانتخاب رئيس جديد لمكتبها السياسي. وتريد هذه الإدارة الجديدة لحماس الخروج من مأزق الانقسام وتحسين ظروف حياة السكان في قطاع غزة، وتقديم الدعم الكامل لأي جهد دولي أو عربي يصب في مصلحة إنهاء الحصار والانقسام.
الثاني: القرابة السياسية ما بين القيادي محمد دحلان والتيار الإصلاحي وحركة حماس عجّل من وجود اتصالات مكثفة في سلك السلطة الفلسطينية الدبلوماسي، من أجل معرفة نتائج تلك القرابة، وما يتمخض عنها خوفا من عقد صفقة تاريخية ما بين تيار دحلان وحركة حماس، يقضي بتعقيد المشهد السياسي الفلسطيني، وبات ذلك واضحا في لقاءات قيادات فلسطينية مقربة من دحلان، بقيادات من حركة حماس، وما تم الاتفاق عنه في لجنة التكافل الوطنية الإسلامية التي ترعى تطبيق المصالحة المجتمعية، وعقد لقاءات للمصالحة، بحضور قيادات الصف الأول في الحركات الوطنية الفلسطينية، من دون تيار الرئيس عباس، وهو ما أقلق قيادات السلطة الفلسطينية في رام الله.
الثالث: يتمثل هذا التطور في العلاقة الطردية ما بين الرئيس عباس الذي ينادي بالسلام وسياسة نتنياهو الذي ينادي بالاستيطان، وفقدان الثقة بالراعي الأميركي، بعد تسريب ورقة المقترحات التي تضمن حكما ذاتيا فلسطينيا، وليس دولة فلسطينية، على أساس حل الدولتين، ما يبحث عنه الرئيس خلال الأيام المقبلة هو دعم الفلسطينيين عامة.
بعد ست سنوات، نعود مجدداً إلى القاهرة، وتحديدا إلى اتفاق القاهرة 2011، لقد أضاعت القيادات الفلسطينية ست سنوات من أعمارنا، لغياب الرؤية الوطنية لديهم، وعدم قدرتهم على تحقيق المصالحة والشراكة السياسية التي تُنهي معاناة مواطني غزة المتخمة بالحصار ومعاناة الضفة الغربية المتخمة بالاستيطان، ولا ننسى من يعيشون في القدس الذين يتعرّضون لفصول التهويد الإسرائيلي فصلا تلو الآخر.
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)