لماذا تقتل يا عسلية؟

لماذا تقتل يا عسلية؟

07 يناير 2017

عادل عسلية (أنترنت)

+ الخط -
عسلية أيضاً جاء بالذبح. في ذلك اليوم العادي، ذهب المواطن العادي، عادل عسلية، إلى المقهى. طلب ثلاثة أكواب من القهوة، وكان يحاسب على كل منها بعد دقائق. فسّر سلوكه الغريب للنادل المندهش بأنه لا يعرف متى سيرحل، ولا يريد أن يكون مديوناً. فجأةً، حدث كل شيء في لحظة. قفز عسلية نحو جاره لمعي يوسف الذي يدخّن الشيشة أمامه، ذبحه قبل أن يدرك أحدٌ ما يحدث، ثم هرب وسط ذهول الجميع. حين أخبر النادل سلطات التحقيق بشهادته، لم يكن يفهم تفسير عبارة عسلية. الشهيد يُغفر له كل ذنوبه مع أول دفقةٍ من دمه إلا الديْن.
بعد القبض عليه، فسّر عسلية أمام النيابة ما فعل بأنه حذّر لمعي مراراً من الإتجار بالخمور التي كان يضعها في ثلاجة داخل "المحمصة" التي يملكها، وقال إنه زاد استفزازه بعد أن لاحظ أن وجود الثلاجة يغري مسلمين بشراء الخمر يوم الجمعة.
لا ينتمي عسلية إلى أي جماعة إسلامية، غير مسجل في أي سجل أمني. كان سابقاً يعمل حارس عقار، ودخل السجن بقضية جنائية. قال أمام النيابة إن ثقافته الدينية نتيجة ما يسمعه من أجهزة التسجيل للشيوخ، وأنه نذر نفسه للدفاع عن الإسلام وسنّة الرسول، وكان يدعو من يشترون منه حلوى العسلية إلى البعد عن المعاصي، خصوصاً الأطفال، لأنهم يقبلون النصيحة.
هذه ظاهرة مميزة في هذا الجيل من الإرهابيين. في الثمانينات، شهدت مصر موجةً إرهابية، ضمنها شاعت في الصعيد حوادث اقتحام محال الأقباط وقتلهم، لأنهم "غير معاهدين". كان ذلك بناءً على تنظيراتٍ مطولة، أنتجت كتباً مهيبة، مثل "العمدة في إعداد العدة" أو "الفريضة الغائبة". لكن عسلية، مثل الدواعش منفذي هجوم باريس، أو منفذي تفجيرات بروكسل، كلهم حديثو الالتزام، وبلا ثقافةٍ دينية، وعديدون منهم ذوو سوابق جنائية.
وفي هذا النمط أيضاً، لا يحتاج الإرهابي إلى أدوات. استخدم عسلية سكيناً، مثل قرينه الداعشي الذي ذبح كاهن كنيسة روان في فرنسا، ومثلهم منفذو عمليات الدهس في فرنسا وألمانيا، لم يحتاجوا أكثر من تأجير سيارة، هذا غير القنابل التي تُصنع في مطبخ المنزل.
النمط الحالي أكثر رعباً بكثير، لأن كل مسلم متدين يتحول فيه إلى قنبلةٍ موقوتةٍ محتملة. يمكن للأجهزة الأمنية مراقبة جماعات معينةً، أو أماكن معينة. لكن، يستحيل أن تراقب كل شخص. قد تموت في أي مكان وزمان على يد شخص عادي جداً، وبأداة عادية جداً. جئناكم بالرعب.
ويزيد الرعب بالعجز. لا توجد أفعالٌ يمكنها إرضاء هذه المشاعر الدينية دائمة الالتهاب. مجرد وجود غير المسلمين، أو المسلمين المجاهرين بما يرونه معصيةً، هو استفزاز هائل. لا شيء يمكنك فعله لتنجو.
كما يقول الصديق السوري، ياسين سويحة، تعليقاً على هجوم على الملهى في تركيا، إن هذه ثقافة عداء أنماط الحياه المختلفة. كأن الرسالة هي: نحن نكره حياتكم إلى حد أننا مستعدون للتضحية بحياتنا، لأجل حرمانكم منها.
تفتح قصة عسلية ملفات مطروحة دائماً، مثل موقف الشريعة من المواطنة؟ من الحريات الشخصية؟ كيف تريدون دمج "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" أو "من رأى منكراً فليغيره بيده" في دولةٍ حديثة؟ من يجهرون بتكفير مبادئ الديمقراطية والمواطنة والوطنية أمرهم مفهوم، لكن المشكلة الأعقد في السلميين المماطلين، من يريدون الدمج من دون أي تنازل أو تجديد، بل في الأغلب بدون أي إجاباتٍ أصلاً، فقط شعارات رنانة معدومة التفاصيل، وانعدام كامل للمسؤولية عن استمرارهم تصدير الأساس النظري نفسه، وإن كانوا لا يُحرضون عملياً.
على الجانب الآخر، يوفر الإرهاب فرصةً ذهبية لليمين العالمي وللاستبداد العربي. تصبح الدكتاتورية ضرورة، وتصبح حقوق الإنسان رفاهية. لن يحمي عم لمعي من عسلية الذي يرفع السلاح إلا ضابط شرطة مسلح أيضاً، لكن الضابط نفسه قد يأخذ إتاوة من لمعي، أو يعذب ابنه في القسم، كما أن للضابط نفسه دوراً بوجود عسلية أصلاً، لأنه لا يمكن تنحية الفقر والجهل والظلم من عوامل تكوينه.
كيف يمكن أن (يوجد) لمعي وعسلية والضابط في وطن واحد؟