سفير ترامب لدى إسرائيل

سفير ترامب لدى إسرائيل

07 يناير 2017

ترامب وابنته وديفيد فريدمان في نيوجيرسي (25/2/2010/Getty)

+ الخط -
لا تتوقف التحليلات الأميركية والإسرائيلية لمغزى اختيار دونالد ترامب سفيره لدى إسرائيل، حيث استقر الرئيس الأميركي الجديد على أحد محاميه، وهو ديفيد فريدمان، (محام يهودي متخصص في قضايا الإفلاس) للمنصب، بشرط الحصول على موافقة مجلس الشيوخ. وهو اختيار لم يحظ بإجماع الأميركيين أو الإسرائيليين، أو حتى يهود الولايات المتحدة أنفسهم، فقد رأت أغلبية التحليلات أن ذلك يشير إلى مرحلة جديدة في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، وإلى صعود قوى يهودية جديدة داخل أروقة السياسة الأميركية والبيت الأبيض في عهد ترامب.
أكثر ما يثير المخاوف من فريدمان أنه يتشابه مع ترامب في عدد من أسوأ خصائصه، وفي مقدمتها شعبوية خطابه السياسي وتشدّده، وانشغاله المفرط بالعداء مع المسلمين والخطاب المسيء للإسلام، وعدم المبالاة بالديمقراطية أو بميراث السياسة الأميركية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي.
كما أن ترامب، متشدد في خطابه، وشعبوي يصف خصومه بأفظع الألفاظ، والتي قد لا يكون لها أساس من الصحة. وصم الرئيس بارك أوباما بالعداء للسامية، ووصف اليهود الأميركيين الناقدين إسرائيل، مثل منظمة جي ستريت المعبرة عمن يمكن تسميتهم حمائم لوبي إسرائيل، بأنها كاليهود الذين تعاونوا مع حكم النازي في أثناء الهولوكوست، ووصف تنازل إسرائيل للفلسطينيين عن أرضٍ بأنه كما سقوط بغداد أو باريس في يد "داعش".
وخلال الانتخابات الرئاسية، وصف فريدمان (كان مستشارا في حملة ترامب) المنافسة هيلاري كلينتون بأنها صاحبه تاريخ طويل من العمل ضد إسرائيل، وشن هجوماً واسعاً على الصحافة
الليبرالية، مثل صحيفة نيويورك تايمز، واعتبرها معادية لإسرائيل، كما وصف حل الدولتين بأنه مجرد "رواية" قائمة على "خيالات"، كما لو أن الفلسطينيين قادرون على رفض "الإرهاب". وأثارت الأفكار المتشددة السابقة مخاوف أصوات ليبرالية كثيرة داخل أميركا وإسرائيل، معتبرين أن فريدمان، بخطابه الشعبوي، لا يمثل فقط خطراً على سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، بل يهدد بتقسيم يهود أميركا أنفسهم بشكل غير مسبوق، وبتعميق الخلاف بينهم.
ويصرّ فريدمان على استخدام مصطلحات مسيئة للإسلام، مثل "الإسلام الراديكالي"، كما يطالب بالتدقيق في المهاجرين المسلمين إلى أميركا، ويحذر يهود الولايات المتحدة من "مصير يهود فرنسا" في حالة تزايد هجرة المسلمين بأعداد كبيرة للعالم الغربي، حيث يعبّر فريدمان عن اعتقاده بأن العناصر المتشددة اختطفت الخطاب العام في العالم الإسلامي، من دون أن يسمي أي دولة مسلمة بالاعتدال. ويحذر، بشكل عام، من خطر المسلمين، وهجرتهم إلى الغرب، ومن خطر منح الفلسطينيين أي أراضٍ في أي اتفاق مع إسرائيل.
ويستخدم فريدمان مصطلحات دينية يهودية بشأن المستوطنات الإسرائيلية، حيث يراها "الوجود اليهودي"، ويسمّي الضفة الغربية المحتلة "يهودا والسامرة". والمعروف أن فريدمان ينتمي إلى اليهود الأرثوذكس، وهم أكثر الطوائف الدينية اليهودية تديناً وانغلاقا، كما ينحدر من أسرة يهودية متدينة، فأبوه حاخام يهودي أميركي، ويقول إنه زار إسرائيل أكثر من ثلاثين مرة في السنوات العشر الماضية، وتورد الصحف أنه يقضي، مع أسرته وأحفاده، الأعياد اليهودية في القدس، حيث يمتلك مسكناً في أحد أفضل أحيائها.
وهكذا، يبدو فريدمان منطلقاً من معتقدات دينية متشدّدة، ومصرّاً على الإساءة للإسلام والمسلمين، ما يتماشى مع مواقف لترامب نفسه، بخطابه المسيء، وبعض مواقف مستشاريه، كما مستشاره للأمن القومي، مايكل فيلن، الذي يرى الإسلام أيديولوجية وخصماً رئيسياً لأميركا، ما ينذر بتنامي خطاب العداء للإسلام والمسلمين مع مجيء الإدارة الأميركية الجديدة، وتحوله إلى سياسات.
على مستوى آخر، يشارك فريدمان ترامب في إعجابه بالرئيس الروسي، فيلاديمير بوتين، وخصوصاً فيما يتعلق بحربه مع "داعش"، في إشارة إلى عدم مبالاة ترامب ومستشاريه بالديمقراطية أساساً للسياسة الخارجية الأميركية.
وفيما يتعلق بإسرائيل نفسها، يعبر فريدمان، بشكل متكرّر، عن رفضه ممارسة أي ضغط
سياسي عليها، ويعارض بشدة موقف إدارة أوباما في 2009 حين ضغط أوباما، عبر وزيرة خارجيته، هيلاري كلينتون، على الحكومة الإسرائيلية لوقف الاستيطان، والواضح أن فريدمان لا يؤمن بعملية السلام نفسها، ويرى أنها مجرد "رواية" قائمة على "خيالات" أو أوهام، وهو الذي يترأس مؤسسة أميركية معنية بتمويل مستوطناتٍ إسرائيلية. وقد أثارت هذه المواقف إعجاب أكثر المنظمات اليهودية الأميركية تشدّدا، وفي مقدمتها المنظمة الصهيونية الأميركية، والتي يرى رئيسها أن لدى فريدمان "إمكانية أن يصبح أعظم سفير لأميركا لدى إسرائيل"، كما طالب سياسيون يهود أميركيون، مثل دينيس روس وجوزيف ألترمان، بمنح فريدمان الفرصة، ورأوا أن تصريحاته ستختلف عن مواقفه، وأنه سيعتذر عن بعضها المسيء في حق اليهود الأميركيين الليبراليين، عندما يتولى منصبه.
وبعيدا عن تلك المرحبة أو الاعتذارية، تتخوف الصحف الأميركية والإسرائيلية بسبب تصريحات فريدمان وترامب، فكل منهما منفلت اللسان والخطاب، وينتمي إلى المعسكر اليميني الشعبوي المتشدد نفسه، والواضح أيضا أن ترامب يريد أن يستخدم ورقة إسرائيل والصراع مع الجماعات الدينية المسلمة ورقة سياسية داخلية، فهو لم يستطع أن يتمالك نفسه، ويحتفظ بصمته، في أثناء خلاف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مع الرئيس أوباما بخصوص قرار مجلس الأمن رفض الاستيطان، وأصر على التدخل وانتقد مواقف إدارة أوباما، على الرغم من عدم توليه الرئاسة بعد، ومن تقاليد السياسة الأميركية نفسها.
ويحلم ترامب وفريدمان بتحول مزيد من اليهود الأميركيين نحو الحزب الجمهوري الذي يمتلك منبرا لليهود المتشددين المعادين لعملية السلام ولحقوق الفلسطينيين. وحتى الآن، يفضل 70% من يهود أميركا الليبرالية والحزب الديمقراطي على الحزب الجمهوري واليمين الأميركي. ويخشى بعضهم من أن مبالغة ترامب في استخدام ورقة إسرائيل في السياسة الأميركية سيدفع يهود أميركا نحو اليمين، وسيقوى التشدّد في أوساطهم، وسيعمّق الفجوة القائمة بينهم وبين الأجيال الجديدة من اليهود والليبراليين الأميركيين.
وكغيره من الأحزاب الليبرالية الغربية، يمر الحزب الديمقراطي الأميركي بأزمة تاريخية، ومرحلة غليان وتحول داخلي، ويشهد كذلك صعود قوى شابة ليبرالية مساندة لفلسطين. وفي بلد غربي، مثل بريطانيا، تولى فيها رئاسة حزب العمال جيرمي كوربين المعروف بمواقفه الناقدة لإسرائيل. وتفيد استطلاعات رأي أميركية بأن التعاطف مع فلسطين في أوساط شباب الحزب الديمقراطي الأميركي زاد إلى حوالي 27%، وهي نسبة تاريخية. وعلى الرغم من قلتها، فإنها تشير إلى زيادة النقد لإسرائيل في الأوساط الأميركية الأكثر انفتاحا وتسامحا، فلم تكن تلك النسبة تتعدى 9% منذ عشر سنوات. ولهذا، تشعر أوساط يهودية أميركية بالقلق من شخصية ديفيد فريدمان، فمواقفه يصفها بعضهم بأنها أكثر تشددا من نتنياهو نفسه، وتعبر عن مواقف أقلية متشددة من المستوطنين الإسرائيليين. ولعل صعود شخص مثله إلى منصب سفير أميركا لدى إسرائيل تحوّل تاريخي، يشير إلى تراجع فرص الوصول إلى تسوية سلمية مع الفلسطينيين، وفق حل الدولتين، وانحياز أميركي مطلق لمواقف إسرائيل في المستقبل المنظور، لكنه ينذر، على المستوى البعيد، بتقوية العناصر الأكثر تشدّدا في أوساط يهود أميركا، وزيادة انقسامهم داخليا بخصوص إسرائيل وسياستها، وانحسار دعم إسرائيل في الأوساط الأميركية الأكثر وعيا وتسامحاً.