أين موضعك وما زاوية نظرك؟

أين موضعك وما زاوية نظرك؟

06 يناير 2017
+ الخط -
هذا وقد صرّح المتحدث باسم الخارجية في ميانمار إنه لا يوجد اضطهاد لمسلمي الروهينجا، وإن كل ما يتم تداوله في وسائل الإعلام العالمية عن الاضطهاد والتهجير والتطهير العرقي ليس له أساس من الصحة، وإنه من الخطأ أن يتم تكوين المواقف بناءً على ما يتم نشره في وسائل الإعلام، كما استنكر بشدة التقارير الحقوقية الدولية عن الانتهاكات بحق المسلمين في ميانمار، وقال إنها ما هي إلا مؤامراتٌ دوليةٌ لتشويه صورة ميانمار. وأكد المتحدث باسم الخارجية أن ما يحدث لا يتعدّى بعض الإجراءات الإدارية والتنظيمية، وأكّد رفض ميانمار أي نوع من التدخلات الدولية في شؤونها الداخلية.
انتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التقارير الحقوقية والإعلامية التي تتهم الشرطة الإسرائيلية بارتكاب جرائم وانتهاكات ضد الفلسطينيين. وقال إن الشرطة الإسرائيلية تدافع عن نفسها ضد الإرهابيين الذين يهاجمون المواطنين الإسرائيليين، ويهاجمون الشرطة بآلات حادّة أو بسياراتهم، وأن من حقّ إسرائيل الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب، وإذا كانت هناك أخطاء في أثناء مواجهة الإرهاب فهي فردية من بعض رجال الشرطة، وليست ممنهجة.
هاجم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، المنظمات الحقوقية الدولية التي أصدرت تقارير أخيراً عن حملات الاعتقال في صفوف الشرطة والجيش والقضاء والإعلام على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة، كما استنكر بشدة التصريحات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي التي تنتقد تراجع الحريات في تركيا، واستخدام فزاعة الانقلاب، من أجل تصفية الحسابات السياسية. وقال الرئيس التركي إن بلاده تتعرّض لمؤامرة كبرى من عدة أطراف دولية، تسعى إلى إضعاف تركيا وتفكيكها، ولكن تركيا لن تركع أمام تلك الضغوط والمؤامرات. وفي السياق ذاته، فتحت وسائل إعلام تركيا النار على منظمات حقوقية دولية، مثل هيومان رايتس ووتش والعفو الدولية، بسبب التقارير التي تنتقد التضييق على الحريات العامة والتوسع في الاعتقالات، على خلفية الانقلاب الفاشل.
وفي جولته في الولايات المتحدة الأميركية، أخيراً، قال وزير الخارجية المصري، سامح
 شكري، إن مصر لا توجد بها ديكتاتورية، وإنه لا توجد أيه قيود على وسائل الإعلام أو حرية الرأي والتعبير، ومن الخطأ الكبير أن يتم تكوين الرأي عن مصر من خلال وسائل الإعلام أو التقارير الحقوقية. وأكد متانة العلاقات بين مصر والولايات المتحدة وروابط الصداقة والاهتمامات المشتركة والعلاقات التاريخية، وشدّد على أنه لا توجد أي انتهاكات لحقوق الإنسان في مصر، ولا يوجد تعذيب في السجون، ولا تضييق على المواطنين، ولا يوجد في مصر أي معتقل بسبب رأي، بل هي حالات مخالفات للقانون، تقع تحت الشق الجنائي، وليس السياسي، كما أن حالات الحبس الاحتياطي منظورة أمام القضاء المصري المستقل، والذي لا يمكن توجيهه. وفي أثناء جولاته ومقابلاته مع المراكز البحثية الأميركية ودوائر صنع القرار، أشاد شكري بالقرار الحكيم للسيد رئيس الجمهورية بالعفو عن الشباب المحكوم عليه بموجب قانون التظاهر، واعتبرها خطوةً عظيمةً، للدلالة على أنه لا يوجد أي عداء مع الشباب المعارض. وأكد أن الإدارة المصرية تدعم مطالب الإصلاح والتغيير، وأن مصر في الطريق الصحيح إلى الديمقراطية. وأكد شكري أن مصر في حاجه شديدة لزيادة المساعدات، من أجل مكافحة الإرهاب وتحقيق الأهداف المشتركة.
توجد ملاحظات مشتركة عديدة على النقاط السابقة، وهي بالمناسبة أبرز ما جاء في تصريحات تم نشرها بالفعل بصياغات أخرى، على مدار السنوات الماضية، وهي مجرد مثال لأربع جهات أو أربع نوعيات من التصريحات المختلفة التي تحمل نقاطاً مشتركة، على الرغم من الاختلاف في الظروف التاريخية أو الجيوسياسية.
فجميع مَن في هذا المثال أنكر وجود مشكلةٍ من الأساس، وجميع من في هذا المثال أنكر حقوق فئةٍ ما أو طائفةٍ ما أو مجموعةٍ ما أو قطاعٍ ما من المواطنين، أو أصحاب حقٍّ أصليين، كما في التصريحات الإسرائيلية، وجميع من في هذا المثال يتلاعب بالألفاظ والمفاهيم والمعلومات، وجميع من في هذا المثال يزعم محاربة الإرهاب، على الرغم من أنه يزرع الحقد والكراهية.
تعتمد كل الأمثلة السابقة على نظرية المؤامرة بنسب متفاوتة، لتفسير ما هي فيه، ولتبرير أي إجراءات قمعية، تقوم بها ضد المواطنين أو الأقليات أو ضد أصحاب الحق، وفي كل الأمثلة السابقة ستلاحظ العناد والمكابرة والمراوغة والكذب وتضخيم الذات.
في ميانمار هناك أقلية مسلمة من الروهينجا، ولكن الحكومات المتتالية والأغلبية البوذية لا
تعترف بهم كمواطنين في ميانمار، بل تعتبرهم دخلاء عليهم الرحيل من ميانمار، وليس لهم حق في الحصول علي جنسية ميانمار، على الرغم من أنهم يعيشون فيها منذ مئات السنين. وبالتالي، ليس لهم الحق في التصويت في أي انتخابات، كما أن طردهم من منازلهم أو إحراقها أو حتى قتلهم لا يعتبر جريمةً طبقا "للقانون"، ليس لهم حقوق من الأساس. ومن المفارقات أن القوى التي تصنّف ليبرالية في ميانمار تخشى أيضاً من التعاطف العلني مع الروهينجا، حتى لا يفقدوا شعبيتهم.
وفي إسرائيل، ستجد من التصريحات الرسمية التي تصف إسرائيل بالدولة الصغيرة الضعيفة المحاطة بالأعداء المتآمرين عليها، والذين يريدون تدميرها. وهذا ما يصدقه الناس حول العالم بالمناسبة. وستجد كذلك أن الإعلام الإسرائيلي الموالي للسلطة يصبّ دائماً هجومه على المنظمات الحقوقية الدولية، مثل هيومان رايتس ووتش، لأنها تتحدث فقط عن حقوق الإرهابيين الفلسطينيين العرب، ولا يتحدّث أحد عن حقوق الشرطي الإسرائيلي، أو الجندي الإسرائيلي الذي يحارب الإرهاب بشجاعة.
أما تركيا فتسير في المنحدر المعروف للأسف الشديد، فبعد أن كانت مثالاً للنجاح الاقتصادي والحكم الرشيد، بسبب الرغبة في الاستئثار بالسلطة أطول فترة ممكنة (كالعادة بحجة استكمال الإنجازات) أصبح هناك تخبط، ثم أصبح هناك غرور، ثم أصبح هناك إقصاء، ثم قمع للأصوات المعارضة. وتقول المعادلة إن قمع المعارضة يولد معارضة أكبر، ومظالم أكبر، مهما طال الوقت، ومهما كانت القسوة، والعناد يولد عناداً، ومع تورّط تركيا في صراعات الشرق الأوسط أمام أطماع إيران وروسيا في المنطقة انتقلت العمليات الإرهابية إلى داخل تركيا، وهو ما استغله أردوغان للانتقام من فتح الله غولن وأيضاً من الأكراد، وأصبح الأمر أكثر تعقيداً، ثم حدثت المحاولة الانقلابية الفاشلة التي استغلها لمزيدٍ من الإقصاء والقمع وزيادة الخصومة. ومع زيادة الانتقادات الدولية، استخدم التبريرات والردود المعتادة، إننا نواجه الإرهاب، إننا نواجه المؤامرات الدولية لتدمير تركيا، الغرب يدافع عن الإرهابيين الأكراد، الغرب يطالب بحقوق الإنسان للإرهابيين. وكالعادة، تصلح نظرية المؤامرة وسيلة للدفاع والتبرير وإلقاء اللوم وإرهاب المعارضين وتخويف الجماهير.
وفي مصر التي تعيش ليلاً ونهاراً على نظرياتٍ تروي قصصاً خيالية عما يطلق عليه الجيل الرابع والمخططات الغربية والتحالفات الكونية لتقسيم المنطقة وتدمير مصر، والمخططات الأميركية والغربية والمؤامرات، لا تتعجّب عندما تجد، في أحد الأيام، حملات إعلامية ضخمة في كل الصحف والقنوات تصب الهجوم باللغة البذيئة والركيكة نفسها على وسائل الإعلام الغربية، أو البرلمانات الغربية، أو الحكومات الغربية، أو منظمات حقوق الإنسان الدولية، بسبب نشر معلومات حقيقية عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، أو عن التضييق على الحريات أو تراجع الديمقراطية أو الانتقام من شباب الثورة. ثم تجد، بعد ذلك بأسبوع، وسائل الإعلام المصرية تمدح المؤسسات أو البرلمانات أو الحكومات الغربية نفسها إذا كان هناك إشادة بالبرنامج الاقتصادي المصري، أو انتقاد حقوقي دولي لتركيا أو قطر مثلاً، لا تتعجب من هذه السكيزوفرينيا وازدواجية الخطاب.
أين موضعك، وما هي زاوية الإبصار. هذا هو السؤال، فأصحاب الحق هم إرهابيون في إسرائيل مثلاً، والجنود الإسرائيليون ملائكة يضحّون بأرواحهم من أجل حماية العالم من الإرهاب. وفي ميانمار، ليس هناك حقوق للأقلية، وغير مسموح بالتدخل الخارجي في شؤون ميانمار. وفي تركيا، ليس هناك حقوق للإرهابيين الأكراد أو الإرهابيين أنصار فتح الله غولن. وفي تركيا أيضاً كل من يتحدث عن حرية الرأي والتعبير أو حقوق الإنسان إرهابي متعاون مع الإرهابيين. أما في مصر، فهي أقصى حالات خداع الذات والعيش في الأوهام، حيث الإبداع في اختراع الفزاعات والقصص الخرافية لتخويف الناس من المجهول أو إرهابهم. ومن يتحدّث عن الديمقراطية أو حقوق الإنسان أو حرية الرأي والتعبير، أو يحاول انتقاد الأوضاع الخاطئة، فهو إرهابي، لأنه لا يقف في جانب السلطة، فمن ليس معنا فهو علينا.
DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017