داعش وجدل العودة إلى تونس

داعش وجدل العودة إلى تونس

05 يناير 2017
+ الخط -
تشهد الساحة التونسية، منذ أيام، جدلاً واسعاً حول ما أثير من إمكانية عودة الدواعش التونسيين إلى البلاد.
بدأ الجدال إثر تصريحات الرئيس التونسي، الباجي القائد السبسي، إذ قال إنّ مقاتلين عديدين يرغبون بالعودة إلى تونس، ولا يمكننا أن نمنع أي تونسي من العودة، وهو أمر يكفله الدستور التونسي، ويقصد بذلك الفصل 25 منه.
ولعلّ الأكثر رعباً للتونسيين قوله "لن نضعهم جمعياً في السجن، لأنّنا إن فعلنا لن يكون لدينا ما يكفي من السجون، بل سنتخذ الإجراءات الضرورية لتحييدهم، ونحن نراقبهم".
تصريحات الرئيس التونسي، والتي سبقها كلام كثير حول مشروع قانون وارد سمّي "قانون التوبة"، والذي من المحتمل أن تقدّمه حركة النهضة لمجلس النواب للمصادقة عليه، أفضت إلى احتجاجات واسعة داخل الشارع التونسي في مختلف المستويات، سواء الأمنية أو الشعبية وحتى الثقافية، ما جعل الحكومة التونسية تتراجع قليلاً عن موقفها، غير أنّها لم تقدّم في المقابل أيّ مشروع واضح بشأن كيفية تعاملها مع إمكانية عودة هؤلاء المقاتلين.
والحقيقية أنّ الموقف التونسي (أي احتجاجات رفض عودة المقاتلين التونسيين) يبدو موقفاً أنانياً وخالياً من أيّ مسؤولية تذكر، سواءً للشارع التونسي، أو لما تفرضه المسؤولية الأخلاقية تجاه البلدان التي تضرّرت من وجود مقاتلين يحملون الجنسية التونسية.
مشكلة وجود مقاتلين تونسيين داخل التنظيمات الإرهابية طفحت على السطح، منذ حرب أفغانستان وبعدها العراق، وصولاً إلى الأزمة السورية، مروراً باليمن وليبيا، وقد قوبلت هذه الظاهرة بالإنكار مرّات وبالتجاهل مرّات أخرى، هذا الإنكار والتجاهل هو ما يجعلنا اليوم نعيش إرهاب التفكير في إمكانية قدوم هؤلاء الذين تشبّعوا بفكر القتل والتكفير والرؤوس المقطوعة، لإطلاقهم في بلاد غارقة في مشكلاتها التي لا تنتهى.
ولكن هذا لا ينفى مسؤوليتنا، ولا يمكننا أن نعفي أنفسنا مما تلقيه اللحظة من واجبات تجاه أنفسنا، وتجاه شعوب تضرّرت من وجود هؤلاء على أرضها، فتصريحات النقابة الرئيسية للأمن في تونس، والتي تتشابه مع ما يتضمنه الموقف العام، والذي يقول إنّ عودة المقاتلين التوانسة إلى تونس ستؤدي إلى صوملة البلاد.
يقول الواقع إنّه يوجد 4000 مقاتل تونسي في سورية فقط، والعدد قابل للزيادة، ويقول الواقع إنّ هؤلاء سفكوا الدماء واغتصبوا واعتدوا على الأرض والبشر، وهو ما يفرض العقاب، عقابهم وفق قوانين تلك الدول التي اغتصبوها وسفكوا دمها.
يقول الواقع أيضاً إنّ هؤلاء أخطأوا بحق تونس، وهو ما يفرض العقاب لا تسريحهم في بلاد تنام في فم بركان.
تواجه تونس اليوم رهان بقاء ورهان المسؤولية، دولة تحاول جاهدة أن تسير على طريق الديمقراطية، وهو ما يفرض على نخبها، بمختلف تركيبتها السياسية والثقافية والشعبية، محاولة إيجاد معادلة ما، تبدأ أولاً بالإعتراف بوجود مرض يسمى دواعش يحملون الجنسية التونسية، من ثم الإعتراف بأنّ هؤلاء الدواعش اقترفوا ما لا يمكن السماح فيه، ولذا لا بد من طرح السؤال: من أين جاء هؤلاء؟
مهما كانت الإجابات قاسية، وكان السؤال "متوحشاً"، فإنّه سيكون بداية مراجعات كبرى، فهذا السؤال هو ما سيمنحنا طريق الأمان، ومحاولة النبش داخل العلّة لاستئصالها، لا الهروب منها ونكران وجودها.
avata
avata
مبروكة علي (تونس)
مبروكة علي (تونس)