ليبيا والدور الروسي ودول الجوار

ليبيا والدور الروسي ودول الجوار

31 يناير 2017

حفتر في موسكو مغادرا وزارة الخارجية الروسية (29/11/2016/فرانس برس)

+ الخط -
استقبلت القاهرة، في 21 يناير/ كانون الثاني الجاري، اجتماعاً لدول جوار ليبيا، قصد دراسة الموقف في هذا البلد المتأزم منذ 2012، وانتهى إلى تبني بيانٍ أكد حتمية جمع الفرقاء الليبيين للعمل سوياً للخروج من التفرّق وبناء ليبيا الجديدة. ولعل الأخبار التي رشحت من عدة مصادر، وخصوصاً منها القريبة من الدول العربية الثلاث، مصر والجزائر وتونس، تشير كلها إلى توافق ليبي على اقتسام السلطة بترتيباتٍ يتولى رؤساء الدول الثلاث إقناع الأطراف الليبية بتحويلها إلى اتفاق سلامٍ، في قمة قد تشهدها العاصمة الجزائرية في فبراير/ شباط المقبل.
ويمكن القول إن الوضع، منذ اندلاع الأزمة في ليبيا في 2011، ظلّ غامضاً بخصوص من يتحمّل الدور الأكبر لاحتواء تداعيات سقوط نظام معمر القذافي، وإنهاء صراع الفرقاء الليبيين على الحكم، وهو الدور الذي تأرجح بين الجوار الإقليمي (دول جوار ليبيا) والدور الدولي للقوى الكبرى، بالنظر إلى دور إيطاليا التقليدي في كل ما يخص مستعمرتها القديمة، ثم الدور الأطلسي بقيادة بريطانية – فرنسية، في الإجهاز على نظام القذافي، وانتهاءً بالدور الروسي المرتقب.
وبالرجوع إلى حقائق الجغرافيا والتاريخ، فإن الدور الأول في الاهتمام، بقصد احتواء أية صراعات وأزمات، يكون للدول الواقعة في الجوار الإقليمي، وهو ما كان يجب أن يقع في ليبيا منذ اليوم الأول لاندلاع الحراك في فبراير/ شباط 2011. لكن، عند النظر في الأدوار التي قام بها كل طرف في الجوار الإقليمي، نجد الجزائر الدولة الوحيدة التي توجهت الأنظار إليها للاضطلاع بالدور الأساس، لسببين، أولهما انشغال دول الجوار الأخرى العربية بأوضاعها
الداخلية، تونس بترتيب شؤونها في أعقاب رحيل زين العابدين بن علي عن الحكم، ومصر بعد زوال منظومة حكم حسني مبارك، ثم ما تلا ذلك من مساراتٍ سياسيةٍ، شهدها البلد، وصولا إلى الوضع السياسي الحالي. ويتعلق السبب الثاني بالوشائج التي تربط الجزائر بليبيا وبالضغط الذي يمكن لتداعيات الحراك، ثم الصراع في البلد الجار، أن تشكله، إذا امتدت إلى الجزائر التي تكاد تتعافى من مأساتها التي عصفت بالإنسان وبالأمن والاقتصاد قرابة عشرة سنوات في تسعينيات القرن الماضي، إضافة إلى الأمننة (العسكرة) التي تتعاطي بها القوى الكبرى مع مشكلات المنطقة الصحراوية - الساحلية، والتي أدت إلى التدخل مرتين. الأولى في ليبيا ثم في مالي وما انجر عن ذلك من إحاطة الجزائر من كل جانبٍ بقواعد عسكرية ووجود عسكري أطلسي - غربي (فرنسي أساسا) وأميركي.
ومنذ تطور الوضع في ليبيا، ليوقع المنطقة برمتها في صراع دائم، مع قاعدة المغرب الإسلامي، ثم مع "داعش" و"بوكو" حرام، أصبحت الحاجة ملحة لاحتمالين لا ثالث لهما، وهو إما تكفل دول جوار ليبيا (الجوار الإقليمي) بمعالجة الوضع واحتواء الصراع وبناء السلام، أو فتح المجال أمام تدخل أجنبي، بدأ يلوح في الأفق، وهو التدخل الروسي.
وعلى الرغم من تعدّد الاجتماعات بين دول جوار ليبيا، وعلى الرغم من توقيع فرقاء الأزمة الليبية على اتفاقيتين في الجزائر، ثم في المغرب (الصخيرات)، إلا أن الوضع ما زال يراوح مكانه، مستدعيا لجوء الماريشال خليفة حفتر، قائد ما يعرف بالجيش الليبي المناوئ لسلطة فايز السراج في ليبيا، إلى روسيا، ليبدأ سيناريو تدخل موسكو يرتسم بمنح الماريشال أسلحة ومعدات طبيــــة، واستقباله في موسكو ثم على حاملة طائرات روسية في عرض ساحل طبرق، ما يفتح الباب على مصراعيه لإعادة روسيا سيناريو التدخل في سورية نفسه، عبر خطواتٍ، لعل أهمها اتجاهها إلى إقامة قاعدة عسكرية بحرية بالقرب من بنغازي، وهو ما يعيد إلى الأذهان عودة روسيا إلى اللعبة الجيوسياسية في الفضاء المتوسطي الغربي.
ومن خلال مسار عمل دول جوار ليبيا، قد تجد روسيا في المحور الثلاثي المصري-الجزائري- التونسي أداةً مساعدةً لها لتهيئة الجو للتدخل، قصد "بناء سلام" على غرار الحل الذي تسعى إليه الآن في سورية. وبالطبع، تحتاج عملية "بناء السلام" إلى مخطط ووسائل داعمة، وهو ما سعت إليه روسيا في ليبيا من خلال تعيين حفتر لاعباً محورياً لها، يمثل التغيير الذي تريد إحداثه ثم السعي، كما تفعل تماما في سورية، إلى فرض حلٍّ بحقائق تمضي بها إلى توسيع نطاق تمدّد الاستراتيجية الروسية في الرجوع إلى الساحة الدولية، دفاعاً عن مصالح محدّدة مع احتواء الانزلاق إلى الحرب الأهلية، من ناحية، ومنع القوى الكبرى الأخرى المعنية والمهتمة من الاستئثار بالحل في ليبيا، من ناحيةٍ أخرى.
وهي، في هذا المقام، تماما مثلما فعلت في سورية، احتاجت إلى الجوار الإقليمي، وخصوصاً مصر والجزائر، لاقتراح خريطة طريق لحلٍّ يوقف حالة الصراع في ليبيا، ويخطط لبناء سلام يجمع الفرقاء الليبيين، وتملك روسيا، هنا، "مصداقية" عدم ازدواجية الرؤية والتحرك اللذين برزا في تعامل القوى الغربية (أميركا وفرنسا وبريطانيا)، مع الحراك العربي، ومع الوضع في ليبيا، بالذات. ولا يجب أن يُنسى، في هذا المقام، تجرؤ تلك القوى الغربية على تجاوز قرار مجلس الأمن في العام 2011 الذي فرض منطقة حظر جوية ضد قوات القذافي، لتتحول فيما بعد إلى هجوم فرنسي- بريطاني أسقط القذافي، وأضاع على روسيا مليارات الدولارات في مشاريع كانت تنفذها إبّان عهد الزعيم السابق.
ويُنظر إلى الماريشال، الموجود بجيشه في شرق ليبيا، ويدّعي مراقبته قرابة 80% من التراب الليبي، إضافة إلى أغلب موانئ النفط ومصافيه في البلاد، على أنه رجل ليبيا القوي، وخصوصاً بعد استيلائه على القوس النفطي، ودعم كل من مصر والأردن وتشاد، وزيارته الجزائر أخيراً.

وتقول مصادر أميركية إن الرئيس دونالد ترامب لن يمانع من دعم الحل المقترح من روسيا لحل المعضلة الليبية، كما أن إيطاليا لن تمانع أيضاً، بشرط الحفاظ على مصالح الشركة الطاقوية "إيني"، والتي تتخذ من مليشيات مصراتة قوة داعمة لوجودها هناك، وتؤثر قنوات تفاوضية فتحتها بين المصراتيين وطبرق.
على خلفية هذه الحقائق، يسير تقدّم الوضع إلى فرض الحل الروسي قدماً، خصوصاً أن مصر ساعدت في محاولة استقبال السراج، ودفعه إلى قبول الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع حفتر لإعادة النظر في بعض بنود اتفاق الصخيرات، وخصوصاً التي تشير إلى القيادة العسكرية الموحدة التي يريد حفتر أن تكون مستقلةً عن وصاية "المجلس الرئاسي".
وبوجود روسيا والمحور الثلاثي المصري- الجزائري- التونسي، قد تسير الأمور إلى حل يرضي الفرقاء الليبيين، ويبني سلاما يريده الجميع، وخصوصاً في الجوار الإقليمي المباشر (شمالاً نحو تونس، شرقاً نحو مصر وغرباً نحو الجزائر). لكن، مع أية بادرة رفض بعض الأطراف، في طبرق أو في طرابلس، الحل المقترح، قد يلجأ حفتر إلى القوة، ويقوم بانقلاب، مهاجماً طرابلس، وهو ما يحتمل أن يدخل البلاد أتون حربٍ أهلية، لا يدري أحدٌ إلى أي مدىً ستمتد في المنطقة الساحلية- الصحراوية، وفي الجوار الإقليمي، المنطقة التي انكشفت عن هشاشةٍ متناهيةٍ، وتنتظر أية شرارة لتعم الفوضى.