حماس والسيسي.. صفحة جديدة؟

حماس والسيسي.. صفحة جديدة؟

30 يناير 2017
+ الخط -
كرّس الناطقون باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) انطباعاً بأن علاقات حركتهم بمصر على عتبة تحولات دراماتيكية ستضع حدا لحالة التأزم الذي شهدته منذ الانقلاب الذي عزل الرئيس محمد مرسي. وأعطت "حماس" مؤشراتٍ على أن الزيارة التي قام بها نائب رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، إلى القاهرة، أخيراً، مهدت الطريق إلى فتح صفحة جديدة في هذه العلاقات. وقد عزت قيادات في الحركة التغيير "الجذري" المرتقب على طابع العلاقة إلى تحول "استراتيجي" على موقف نظام عبد الفتاح السيسي مع الحركة، سيجد ترجمته في تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في قطاع غزة. لكن ما "يبشر" به قادة "حماس" يتناقض مع الأصوات الآتية من القاهرة، فقد عزت أبواق إعلامية مرتبطة بنظام السيسي التقارب مع الحركة إلى صفقةٍ، تقوم بموجبها "حماس" بإجراءات على الحدود، يراها هذا النظام ضرورية لتحسين قدرته على مواجهة التحديات الأمنية المتعاظمة في شمال سيناء؛ في مقابل التزامه بتقليص مظاهر الحصار على عزة، والقيام بإجراءات تحسن من الواقع الاقتصادي والأوضاع المعيشية في القطاع.
واضحٌ أنه إذا كان المقصود بهذه الإجراءات المسّ بقدرة عناصر جماعات السلفية الجهادية على الانتقال عبر الحدود الفاصلة بين غزة وسيناء، فإن هذه تنسجم أيضا مع مصالح "حماس" التي تناصبها هذه الجماعات العداء، حيث لم تتورع بعض قياداتها عن تكفير الحركة. ناهيك عن أن الحركة التي تواجه تبعات الخطأ الكارثي، أي الجمع بين الحكم والمقاومة، والتي تمثلت أساساً في توفير المسوّغات لإسرائيل والأطراف الإقليمية والدولية لفرض الحصار الخانق، معنية بتحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع التي بلغت من التدهور حدا يمكن أن يفضي إلى انفجار غضبٍ شعبي، قد يستهدف الحركة أيضا.
مع ذلك، في حال حدث تغيير إيجابي على نمط تعاطي نظام السيسي تجاه غزة، فإن مسوغات هذا التحول ستتجاوز الاعتبارات المتعلقة بالأوضاع الأمنية في سيناء. فأوساط مهمة من المؤسسة الأمنية المصرية باتت تدرك فشل الإستراتيجية التي انتهجها النظام تجاه "حماس"، والقائمة على الحصار، والإجراءات الأمنية الهادفة إلى تجفيف مصادر قوتها العسكرية، والمقاطعة السياسية والشيطنة الإعلامية ونزع الشرعية، عبر دفع القضاء المصري إلى اعتبار الجناح العسكري للحركة تشكيلاً "إرهابياً". ويتضح مما تنقله شخصيات فلسطينيةٌ زارت
القاهرة، أخيراً، أن بعض مصادر النفوذ الأمني في القاهرة تدفع إلى انتهاج مقاربة جديدة، تهدف إلى احتواء "حماس" عبر تخفيف الحصار وتحسين الأوضاع الاقتصادية. في الوقت ذاته، ليس مستبعداً أن يهدف التحول المتوقع على الموقف المصري إلى التأثير على موازين القوى داخل الحركة، سيما وأن الأخيرة على وشك إجراء انتخابات داخلية مفصلية، من خلال ترجيح كفّة طرفٍ على آخر. في الوقت ذاته، لا يمكن تصور أن يقدم نظام السيسي على أي تغيير في سياساته تجاه غزة بدون التنسيق مع إسرائيل، وهو الذي يراهن على دور حكومة اليمين المتطرّف في تل أبيب على مواصلة مساعدته في تأمين الشرعية الدولية، ويخضع مواقفه من حركة حماس أيضا لاعتبارات المصلحة الإسرائيلية. ويتضح من الجدل الإسرائيلي الداخلي، أخيراً، أن مصلحة تل أبيب حاليا تتمثل في تحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع، خشية أن تبادر "حماس" إلى فتح مواجهة عسكرية، وسيلةً لمنع حدوث انفجار جماهيري، بسبب تفاقم الأوضاع الاقتصادية. وقد برزت المخاوف الإسرائيلية هذه جليةً في آخر اجتماع للمجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن، حيث بادر وزير الاستخبارات، يسرائيل كاتس، مجدّدا إلى طرح فكرة تدشين ميناء عائم قبالة شواطئ غزة. وقد تتمثل بعض محفزات التحول المرتقب في موقف القاهرة تجاه غزة في ردة الفعل المصرية الغاضبة على رفض رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الضغوط التي مارسها السيسي عليه، من أجل إعادة محمد دحلان إلى صفوف حركة "فتح"، والسماح له بلعب دور ريادي في المشهد الفلسطيني.
وعلى كل الأحوال، وبخلاف ما ذهب إليه بعض قادة "حماس"، فإن التحول الموعود على موقف نظام السيسي من الحركة وغزة سيكون تكتيكياً، وليس استراتيجياً، فالعمل على مراكمة الشرعية الدولية، من خلال التدليل على الاندماج في الحرب على "الإرهاب الإسلامي" في مقدمة ثوابت إستراتيجية النظام الحالي في القاهرة. ويعكس احتفاء السيسي بما جاء في مكالمته الهاتفية أخيراً مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وتباهيه بتوافقهما على الحرب على "الإرهاب" تجذّر هذه الاستراتيجية لدى النظام وسيلةً لتأمين الشرعية. من هنا، وبغض النظر عن سلوك "حماس" تجاه مصر، فإن السيسي يمكن أن ينقلب عليها بسهولة، إذا اعتقد أن مثل هذه الخطوة تلقى استحسانا لدى ساكن البيت الأبيض الجديد. وإذا أخذنا بالاعتبار التقارب الكبير بين إدارة ترامب وحكومة اليمين في إسرائيل، فإن حساسية السيسي للاعتبارات الإسرائيلية، وضمنها المتعلقة بحركة حماس، ستتعاظم. فإذا وجدت إسرائيل مستقبلا أن مصلحتها تتمثل في شن حرب على غزة، فأغلب الظن أن السيسي سيتبنى الموقف نفسه الذي تبناه في أثناء حرب 2014.
تتوق غزة للحظة التي تتخلص فيها من الحصار الآثم المفروض عليها. وبالتالي، فإن أي تحوّل على الموقف المصري يقلص آثار هذا الحصار يمثل تطورًا إيجابياً ومهما. لكن، من المهم إدراك بيئة التحوّل المؤمل على الموقف المصري، وعدم الرهانات المعقولة عليه، خشية أن تستحيل الآمال إلى خيبة أمل مؤلمة.