تعلمنا من ثورة 25 يناير

تعلمنا من ثورة 25 يناير

29 يناير 2017
+ الخط -
يخبرنا التاريخ أن الثورات تشتمل على مضامين متشابهة، وثورة 25 يناير المصرية خير دليل على ذلك. مثلاً، يعكس شعار الثورة الفرنسية "الحرية والمساواة والأخوة" حال الثوار المصريين ولسانهم، فقد كان مبعث الفخر لديهم إحساسهم بالأخوة والاعتزاز بالجماهير التي سارت نحو ميدان التحرير. سمعناهم يرددون عن الشعور بالمساواة وأهمية كل فرد في المسيرة، وعن حالة مزاجية متحرّرة ملأت الجماهير بشعور جماعي من الانتماء، بعد كسر حاجز الخوف. وجاء شعارهم "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" لاحقاً ليعكس ما كان قد شغل أولئك الثوار الفرنسيين ايضاً. 

ثمّة مقارنات عديدة، مع وجود لحظات مهمة، خاصة بكل من الثورتين، فيمكننا مقارنة لحظة اقتحام سجن الباستيل بلحظة اقتحام مقرّات أمن الدولة في القاهرة، ومقارنة تأثير الثورة التونسية على مصر بتأثير الثورة الأميركية على آمال الفرنسيين وإيمانهم بما يمكن للثورة أن تحققه.
وفي ذكرى ثورةٍ عظيمةٍ مثلت صحوة الشعوب العربية ضد سنواتٍ من الركود، وعقود من سوء إدارة الثروات والموارد، ثمّة دروس يجب أن نتذكّرها أيضاً، هي أن أعظم مكتسبات ثورة 25 يناير كان انهيار حاجز الخوف. ولذلك، أكثر ما يحبط من شاركوا في الثورة عودة حاجز الخوف بشكل أقوى مما كان، وعلى أيدي نظام عديم الرحمة وأكثر وحشية.
ولكن، هناك أثر جانبي قاتم لعودة مثل هذا المناخ من الخوف، هو استنفاد المواهب والعقول من مصر، فأينما سافرتُ أقابل مواهب مصرية رائعة، إما هاجروا من البلاد أو ينوون أن يهاجروا في أقرب فرصة.
وفي حين أن السلطة الحالية تستخدم مثل هذه الأساليب الترهيبية آلية دفاع ضد أي عودة محتملة للثورة، لم يعد أحدٌ يشعر بالأمان في مصر اليوم، فالأطفال يُسجنون إلى أجل غير مسمى لمجرد ارتداء قميص (تي شيرت) عليه شعار ضد وحشية الشرطة، ويخسر كُتاب وإعلاميون وظائفهم بسبب التعبير عن آرائهم ضد سياسات الحكومة، ويواجه المشاهير ورموز الثورة حملات تشهير بسبب انتقاد الظلم. ومن المثير للشفقة أن هذه السلطة تخشى حرية التعبير أكثر مما تخشى عجزها عن إدارة الاقتصاد، أو فشلها في مواجهة إرهاب المتطرّفين الإسلاميين في سيناء!
من أهم الدروس التي تعلمناها، نحن المصريين، من الثورة أن الخوف من التغيير هو ما تسبب بركود بلدنا سنوات. وفي هذا المناخ، كان من المستحيل حدوث أي تغيير إيجابي. ويبدو أن النظام الحالي تعلم الدروس الخاطئة من الثورة، هي أن الخوف والترهيب أسلوب للحكم، يزعم النظام أنه يحافظ على استقرار البلاد.

تعلمنا أن الانتماء للبلد عاد إلينا عندما حصلنا علي حقنا في حرية التعبير، وعندما أصبح رأي كل منا مهماً ومتساوياً. أما النظام الحالي فقد تعلم ألا يسمح بخروج المظاهرات مرة أخرى، وأن الحكم بالقبضة الحديدية هو السبيل الوحيد لعدم تكرار الثورة!
تعلمنا أيضاً أن مواقع التواصل الاجتماعي في شبكة الإنترنت تمثل مساحات عامة للتجمع وتبادل الأفكار وتنظيم العمل الاجتماعي، بينما تعلم النظام الحالي أن هذه المساحات تمثل تهديداتٍ خطيرة، فقام بتجنيد "كتائب إلكترونية" لشن حملاتٍ مضادة، وتعطيل هذه المساحات العامة.
وهكذا، فإن الدروس التي تعلمناها من الثورة تختلف عن التي تعلمها النظام الحالي، بل تتناقض معها، فتطلعات جيل الإنترنت الذي قام بالثورة في مصر واضحة، فهو من أدرك أن مصر تستحق إدارةً أفضل، وهو جيل لا يمكن خداعه بسهولة، أو التحكم فيه من خلال إعلام النظام، مهما صمم وحاول بلا هوادة. وهو الجيل الذي اختار أن يتظاهر يوم 25 يناير، يوم عيد الشرطة، اعتراضاً سلميا على فساد الشرطة ووحشيتها. وقد هبت هذه الأفكار الملهمة للتغيير السلمي على مصر مثل موجة بحر منعشة، جارفة كما تسونامي 30 عاماً من الركود. ومثل "تسونامي"، أعقبت هذه الموجة موجة انحسار بشعة في الاتجاه المعاكس، موجة من الظلام والفوضى.
تصف مقدمة رواية "قصة مدينتين" لتشارلز ديكنز نمط التحول هذا من الخير إلى الشر من خلال تناقض مثير في أثناء الثورة الفرنسية: "كانت تلك أفضل الأيام، وكانت أسوأ الأيام، كان عصر الحكمة، وكان عصر الحماقة، كان وقتًا للإيمان، وكان وقتًا للشك..."
تترسخ في أوقات الثورات التناقضات الراديكالية، فقد أعقب عصر التنوير في فرنسا عهد الإرهاب، وهي فترة مروّعة مليئة بالعنف وإراقة الدماء في أثناء الثورة الفرنسية، ولم تنته إلا بسقوط قائدها روبسبيير. وهكذا يعلمنا التاريخ أن سقوط عهد الإرهاب في مصر حتمي، فكما أن الإعدام بالمقصلة في فرنسا انتهى، سينتهي في مصر ما يقوم به النظام الحالي من قتل وخطف وحملات تشهير.
يعلمنا التاريخ أن سقوط روبسبيير المصري، الجنرال عبد الفتاح السيسي، آتٍ لا محالة.
3C140C47-1E99-4A10-9FF1-7E17996C0B43
3C140C47-1E99-4A10-9FF1-7E17996C0B43
خالد أبو النجا

ممثل ومذيع مصري، يحمل الماجستير، له عدة أدوار في أفلام سينمائية

خالد أبو النجا