الربيع الأفريقي

الربيع الأفريقي

28 يناير 2017

رئيس عامبيا الجديد بارو بين أنصاره (26/1/2017/الأناضول)

+ الخط -
قصتنا تبدأ بداية معتادة تكرّرت في عشرات الدول الأفريقية. دكتاتور وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري، ويرفض مغادرتها، محتمياً بجيشه، وبشعارات حماسية. 

في يوليو/ تموز 1994، قاد الضابط الشاب يحيي جامع انقلاباً أوصله إلى رئاسة غامبيا، ليحكم قرابة ربع قرن، شهدت أحداثاً كثيرة استحق في أثنائها لقب "قذافي أفريقيا".

يحيي جاموس الذي غير اسمه إلى جامع ليتناسب مع شعاراته الإسلامية كان قد أعلن، في 2007، في بيان رسمي من القصر الرئاسي، توصله إلى علاج لمرض الإيدز عن طريق الأعشاب، حيث يعتبر الرئيس العبقري نفسه خبيراً بها. وفي 2014، أعلن حظر اللغة الإنكليزية باعتبارها إرثاً استعمارياً. أما في 2015، فأعلن بلاده جمهورية إسلامية، في خطوة اعتبرها تخلصاً من الإرث الاستعماري، وقال في خطابه "غامبيا في يدي الله!".
لكن جامع خسر الانتخابات التي أجريت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لأسباب عديدة، أهمها توحد كامل قوى المعارضة خلف منافسه أداما بارو الذي كان يعمل حارساً في لندن، في أثناء دراسته في مجال العقارات، وعاد إلى بلاده عام 2006، ليصبح رجل أعمال في العقارات، ويترقى داخلياً في الحزب الديمقراطي الوحدوي المعارض، حتى أصبح أمين الصندوق فيه. قبل شهر من موعد الانتخابات الرئاسية، وجه جامع ضربة جديدة للمعارضة، شملت اعتقال رئيس الحزب المحامي الحقوقي البارز، حوسينو داربو، وحُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، بعد مطالبته بالتحقيق في وفاة أحد المعارضين داخل السجن.
هنا، بسرعة درامية، ظهر بارو، تم تصعيده داخلياً إلى رئاسة الحزب، ثم اجتمعت أحزاب المعارضة السبعة، لتعلن توحدها عليه مرشحاً لرئاسة البلاد. بالإضافة إلى تاريخه السياسي والاقتصادي، وكونه وجهاً جديداً نسبياً لم يتورّط بأعباء خلافات تاريخية، قد يكون من عوامل قوته أيضاً أنه عمل سابقاً حارساً لوالد زوجه الزعيم التاريخي للبلاد بعد الاستقلال داودا جاوارا.
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قال بارو في خطاب له "وضعنا خلافاتنا جانباً من أجل مصلحة بلدنا؛ فلقد تعب شعبنا بسبب 22 سنة من حكم يحيى جامع الذي سننهيه، إذا توجهنا معا إلى صناديق الاقتراع".
حدثت المعجزة، وأعلنت اللجنة الانتخابية المستقلة، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فوز بارو. وفي البداية، اعترف جامع بالنتيجة، واتصل بخصمه ليهنئه، لكنه فجأة تراجع، وقال إن الانتخابات شابتها مخالفات تتطلب إعادتها، وهرب رئيس لجنة الانتخابات، القاضي إليو معمر نجي، إلى السنغال.
في 5 يناير/ كانون الثاني الجاري، أعلن قائد الجيش ولاءه ودعمه الكامل للرئيس جامع، وتزامن ذلك مع إصداره قراراتٍ بموجة ترقيات بين قيادات الجيش، ولجوئه إلى المحكمة العليا في البلاد، لتفصل في طعنه ضد الانتخابات.
لكن ما لم يكن في الحسبان هو الموقف الإقليمي. أعلنت مجموعة دول غرب أفريقيا (إيكواس) دعمها المطلق نتائج الانتخابات الديمقراطية، وهدّدت بتدخل عسكري فوري لخلع الرئيس بالقوة. أرسلت نيجيريا والسنغال قواتهما، وعبرت القوات السنغالية الحدود بالفعل بلا مقاومة، بينما مهدت القوات النيجيرية لإنزال بحري لاعتقال الدكتاتور! وبضغطٍ من الدول الأفريقية، أصدر مجلس الأمن في 19 يناير قراراً يدعم مجموعة "إيكواس"، والتي منحت جامع 24 ساعة للرحيل.
في هذه الأجواء، قفزت الفئران من السفينة. استقال نائب الرئيس ومستشاره، أما قائد الجيش فقد تراجع: "لن أشرك جنودى فى معركةٍ غبية، أنا أحب رجال بلدي، وهذا خلاف سياسي". 
لم يكن أمام جامع إلا الاستسلام، وهكذا وافق على وساطة من موريتانيا وغينيا، ورحل من البلاد في خروج آمن، بعد أن سرق 11 مليون دولار نقداً من البنك المركزي الغامبي، وهو ما اعتبرته كل الأطراف ثمناً هيّناً مقابل السلام، في بلدٍ ما زالت تلعب فيه العرقيات والقبائلية دوراً كبيراً، وهو ما حاول جامع استخدامه بإشارته إلى أن البلاد ستشهد احتلالاً سنغالياً، لأن الرئيس الجديد بارو ورئيس السنغال من القبيلة نفسها.

تقدم قصة جامع دروساً لكل الأطراف في العالم العربي، للأنظمة، وللمعارضة، كما يقدم الدور الفاعل لمجموعة "إيكواس" دروساً أخرى لجامعة الدول العربية العريقة العاجزة.
اطلبوا علم الديمقراطية، ولو في أفريقيا.