الأسد والتفاوض حول كل شيء

الأسد والتفاوض حول كل شيء

23 يناير 2017
+ الخط -
كرّر بشار الأسد، في لقاءاته الإعلامية التي تكثفت أخيراً، وبطرق مختلفة، أنه مستعد للتفاوض "حول كل شيء"، ففي لقائه مع قناة تي بي إس اليابانية، قال إن وفده ذاهب إلى أستانة لوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات، وكان قد قال، قبل أيام، في لقاء مع وكالات أنباء غربية، إنه مستعد للتفاوض حتى حول منصبه الرسمي، شرط أن يتم ذلك وفق الدستور، وإن أي تغيير دستوري يجب أن يطرح في استفتاءٍ على الشعب، فالشعب السوري وحده المخوّل بتقرير مصيره، وبالتالي دستور بلاده ورئيسها، عبر الاستفتاءات الشعبية وصناديق الاقتراع.
الرجل الذي يتحدث أمام وكالات الأنباء بلهجة المنتصر والواثق، كما علق صحفيون، بعد الانتصارات التي حققها الروس، أخيراً، في حلب، واعتبرها الخطوة الحاسمة على طريق استعادة كل الأراضي السورية من الإرهابيين، كما يحلو له أن يسمي الشعب الثائر ضده منذ بداية الحراك في سورية، سخر من المعارضة السورية، كعادته، قائلا إنه "لا يعرف من سيمثل المعارضة فيها". وتساءل: من سيكون حاضراً منها؟ وهل ستكون معارضةً سورية حقيقية؟ معتبراً أن المعارضة الحقيقية ينبغي أن يكون لها قواعد شعبية في سورية، وليست قواعد سعودية أو فرنسية أو بريطانية، وهذا هو المعيار الأساسي الذي سيعتمد عليه نجاح مؤتمر أستانة، أو قابليته للحياة كما قال.
ولعل الأكثر طرافةً في لقاءات الأسد، وتصريحه عن قبوله التفاوض حول كل شيء، هو تماماً قابليته للتفاوض حول كل شيء، بعد أن ضاع كل شيء، واستمراره طويلاً في تعنته لينتظر اللحظة التي ضاع فيها كل شيء، ويعلن أنه يقبل التفاوض على كل شيء، لعله هو ما يجعلنا غير قادرين على أن نأخذ هذا التصريح على محمل الجد، ولا ننظر إليه بأي قدر من التفاؤل. والحاجة إلى الحديث عن عدم وجود أي معارضةٍ حقيقيةٍ قادرةٍ على التفاوض كفيلٌ بردم أي فرصةٍ للأمل أو أي شيء، مع أن التكهنات، في الأيام القليلة الماضية، تحمل ما يجعله قابلا للتصديق، تماما بالدرجة نفسها التي تجعله غير قابل للتصديق.
والتكهنات التي تؤشر إليها هذه السطور هي القراءات والاستنتاجات التي امتلأت بها الصحف وشاشات التلفزة، بعد نصف الاستدارة التركية نحو روسيا، وحديث موسكو عن نياتٍ جدّية لإنهاء الصراع في سورية، والتنبؤات بخلاف روسي أميركي - إيراني مقبل على الأرض. فقد أصبحت روسيا، بعد أن أنقذت نظام الأسد من الموت مرات، المسؤول الوحيد عن الملف السوري، والمتحكّم بخيوط اللعبة، وبمصيري الأسد والمعارضة معا، ووحدها قادرة على فرض شروطها على الأسد وإرغامه على الدخول في العملية السياسية والانتقال السياسي الحقيقي، حسبما يرى بعضهم، وأيضاً على تحجيم الوجود الإيراني المتعنت حيال رحيل الأسد، حتى إن سياسيين تحدثوا عن وجود أسماء محدّدة انتقتها الإدارة الروسية بديلاً عن نظام الأسد، وبعضهم ذهب إلى أنه تم إبلاغه بذلك.
وثمّة من رأى من المحللين أن النظام الإيراني قلق جداً مما يجري، وأنه لا يمتلك أدوات الضغط الكافية لعرقلة التوجه الروسي، ويخشى من أن استمرار الأمور هكذا ربما كان مقدمةً لبلورة ملامح تفاهم روسي – أميركي على الأرض، يحدّ من النفوذ الإيراني في سورية.
قد لا يكون في وسعنا نفي أهمية الإنجازات التي حققتها روسيا لصالح النظام، وصالح حضورها الاستراتيجي والسياسي قوةً يتعاظم دورها مجدّداً، في المنطقة العربية والعالم، إلا أنه من المبكر التفاؤل بأي دور إيجابي ممكن لها لصالح تطلعات الشعب السوري بعملية انتقالية حقيقية، ترغم بشار الأسد على التفاوض على السلطة بشكل حقيقي، والتنازل عنها لرئيسٍ ينتخبه السوريون الذين يعيش معظمهم تحت خط الفقر، وحوالي نصفهم في المنافي والمخيمات، ومئات الآلاف منهم في السجون، من دون أن يرغمهم الخوف من الاعتقال مجدّدا على كتابة اسم الرئيس الذي أعلن أنه قبل بالتفاوض على كل شيء، باستثناء الأمر الوحيد الذي سفحت من أجله دماء مئات آلاف من السوريين، وشردت وهجرت بسببه ملايين العائلات، واعتقل في سبيله مئات آلاف الثائرين على امتهان الكرامة.
على الرغم من تكرار الأسد استعداده للتفاوض على كل شيء في ستة عشر لقاءً إعلامياً أجراها في أشهر قليلة أخيراً، ستبقى كرامة السوريين الشيء الوحيد الذي يستحيل أن يقبل رأس النظام السوري التفاوض حوله.
A78EE536-6120-47B0-B892-5D3084701D47
علا عباس

كاتبة وإعلامية سورية