لماذا استبعاد السلاح الكردي في "أستانا"؟

لماذا استبعاد السلاح الكردي في "أستانا"؟

21 يناير 2017

مسلحون سوريون كرد في حلب (9/1/2017/Getty)

+ الخط -
كشفت الدعوات التي وجهها القائمون على المفاوضات السورية في أستانا حجم التجاهل الذي أبداه الروس لأكبر المكونات الكردية المسلَّحة (وحدات حماية الشعب) وتمثيلها السياسي حزب الاتحاد الديمقراطي، نزولاً عند الطلب التركي الذي يتبدّى شرطاً رئيساً لاستمرار العلاقة التركية – الروسية، وذلك حين لم يوجه القائمون على العملية التفاوضية بين النظام والمعارضة المسلحة الدعوة إلى الفصيل الكردي الوحيد والوازن على الأراضي السورية، أي وحدات حماية الشعب، وتوسعتها قوات سورية الديمقراطية (قسد).
في مقابل ذلك، وفيما يشبه عملية تجهيز ديكور عمل مسرحي، مرّر الأتراك أسماء سياسيين أكراد منضوين في المجلس الوطني الكردي، وهو من أكبر الائتلافات السياسية الكردية، ويحظى بدعم رئاسة إقليم كردستان العراق، للمشاركة في أعمال المؤتمر التفاوضي الخاص بالمسار العسكري، علماً أن تلك الأسماء الكردية لا تحتكم على قوة مسلحة داخل الأراضي السورية، وليس لها باع في العمل العسكري، حتى يمكن القول إنهم يمثلون (تقنيين) أسوةً بمدنيين من المعارضة، تمت دعوتهم بوصفهم تقنيين.
أميركا هي أبرز الداعمين للطرف الكردي الغائب، إذ تربطها وشائج وعلاقات لوجستية وعسكرية كبيرة ومتنامية، ضمن سياق عملية محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ولعل غياب أميركا عن مفاوضات أستانا (المرجّح) ساهم في منح الأتراك فرصةً أكبر لحجب هذا الفصيل الكردي عن الحضور، وبالتالي إخراجه من الألعاب التفاوضية والمؤتمرات، ومن ثم إلزامه بقبول ما سيتم الاتفاق عليه بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في المسألة السورية.
لا تبدو على وحدات حماية الشعب أمارات الرضا عن هذا الاستبعاد، وقد عبرت عن ذلك بالقول إنها "غير ملزمة بنتائج أستانا"، وهذا أقل ما يمكن أن تقوله، وهي التي تشعر باغتراب كبير في غياب الأميركان عن المشهد السوري، لأسباب تمس انتقال السلطة واستحكام الروس بمفاصل العمل العسكري، خلا سبب الوجود الأميركي المقتصر على محاربة "داعش".
عبر جميع المؤتمرات الدولية الخاصة بالمسألة السورية، تم استبعاد حزب الاتحاد الديمقراطي ((PYD، ووحدات حماية الشعب عن الحضور، نزولاً عند الرغبة التركية التي تمتلك أكبر شبكة تحالفاتٍ مع المعارضة المسلحة، الأمر الذي سيسهل جلب المعارضة المسلحة المتصلبة إلى طاولات التفاوض. وعليه، كانت تركيا حاضرةً في كل التفاصيل التي حالت دون حضور هذا الطرف الكردي الوازن على الأرض. ربما اختلف الأمر قليلاً، منذ تولت وحدات حماية الشعب، ومن ثم قوات سورية الديمقراطية (قسد)، مهمة التحول إلى ذراع برّي لقوات التحالف الدولي المناهض لـ "داعش"، إلا أنه يبقى من الجائز القول إن إرضاء التحالف، ومن خلفه أميركا، تركيا يأتي دوماً على حساب الأكراد، وعلى حساب تطلعاتهم في التمثيل الدولي، والجلوس إلى بقية المتفاوضين، ما يشكل حالة إحباط مديدة قد تؤدي إلى اليأس من فكرة التحالفات التي تتوقف، أبداً، أمام الماكينة التركية.
بداية دخول روسيا على خط الأزمة، كان ثمة دعمٌ روسي للمشروع الكردي الذي يقوده الاتحاد الديمقراطي، وكان ثمّة حماسٌ روسي يدعو إلى دعم المقاتلين الأكراد، لكن الأمر برمته سرعان ما تبدّد، لمجرد أن أدارت تركيا ظهر المجن لتحالفاتها والغرب، ومالت، عبر استدارتها المشهورة، صوب روسيا ولاحقاً إيران. وعليه، لم يبق أمام الاتحاد الديمقراطي سوى التعويل على العلاقة المتأرجحة بالأميركان التي أساسها محاربة "داعش". وبالتالي، فإن شكل العلاقة الكردية – الأميركية قابل للتصدع في ظل وصول إدارة أميركية تؤمن بالدور الروسي في سورية والعلاقات الجيدة مع تركيا.
ولمعرفة ما الذي سيكونه مصير الأكراد السوريين في ظل هذه التعقيدات الإقليمية والدولية والداخلية السورية، يجدر النظر مرة إلى التاريخ، حيث كانت القوى الكبرى تتنصل من علاقتها بالأكراد، وتتراجع في دعمها لهم، كلما حققت تلك القوى مصالحها. وفي المقابل، كان ثمة تحدٍ كردي متجدّد يخرج إلى العلن، ويستعد لخوض تجارب جديدة فيما يشبه الحركة المستمرة لسائق الدراجة الهوائية الذي يسقط لمجرد توقفه عن الحركة. وعليه: ما من سبيل أمام الأكراد إلا إبداء مزيد من الحركة كي لا يسقطوا، هذه المرّة، أمام الدور التركي المحبط للأكراد وتطلعاتهم.