المواجهة المؤجلة

المواجهة المؤجلة

20 يناير 2017
+ الخط -
لم تبدأ أطماع إيران بالمنطقة العربية مع استلام الإسلاميين، بقيادة الخميني، مقاليد الحكم في إيران، بل يمتد إلى زمن بعيد، فمحاولات ضم البحرين تمتد إلى أكثر من 150 سنة، إضافة إلى احتلال عدّة جزر عربية في مياه الخليج، واحتلالها إقليم الأحواز العربي ومحاولات التدخل في شؤون العراق، وخصوصاً في عهد حكم الشاه، محاولةً بسط نفوذها تدريجياً على كلّ المنطقة العربية .
بدأت التطورات فيما يتعلق بهذا الشًأن تأخذ منحى آخر، وخصوصاً بعد نهاية حكم الشاه الذي أسقطته الثورة التي قام بها الشعب الإيراني ضد حكمه، والتي استغلها لاحقاً الإسلاميون بقيادة الخميني للاستيلاء على مقاليد الحكم، مستغلةً ثورة الشعب الإيراني ضد حكم الشاه بمساعدة من الدول الغربية التي اعتبرت أنّ حكم الإسلاميين هو الأقلُّ ضرراً لمصالحها.
لم يتغيّر واقع الأطماع الإيرانية مع استلام الخميني مقاليد الحكم. ولكن، تمّ اعتماد استراتيجية مختلفة عما كانت تتبعه إيران في عهد الشاه، فتبني الخميني للقضية الفلسطينية ورفع شعار تحرير فلسطين خلط الأمور على حكومات عربية وقوى سياسية كثيرة، وعلى مفكرين عرب كثيرين. وفي المقابل، رفع شعار تصدير الثورة الإسلامية الذي أطلقه نظام الخميني، ما أربك أنظمة عربية، وجعلها تدق ناقوس الخطر.
شعرت المملكة العربية السعودية أنَها المستهدف الأول من الاستراتيجية الجديدة للنظام الإيراني، فحاولت اعتماد تكتيك المواجهة غير المباشرة مع المشروع الإيراني، والهروب من اعتماد استراتيجية حقيقية، مبنية على أسس موضوعية قادرة على مواجهة خطر المشروع الإيراني واستراتيجيته الجديدة، أو أنَ سبب اعتماد ذلك التكتيك هو عدم القدرة على رسم تلك الاستراتيجية أصلاً.
اعتمدت دول الخليج، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، لمواجهة المشروع الإيراني الجديد على العراق بفتح مواجهة عسكرية مع نظام الخميني في إيران، آملين تغييره أو إضعافه إلى درجةٍ لا يعود فيها يشكل أي خطر على دول الخليج العربي بالدرجة الأولى مع التعهد للنظام العراقي بالدعم الكامل مادياً وعسكرياً.
على الرغم من بدء الحرب بين إيران والعراق بدعم خليجي، لم يثن ذلك النظام في إيران عن الاستمرار في الاستراتيجية التي وضعها لتنفيذ مشروعه ببسط نفوذه في المنطقة العربية، واعتماداً على العامل الديني وعلاقة جيدة مع النظام السوري في حينه، والذي كان على عداوة معلنة مع النظام العراقي آنذاك، قامت بإنشاء أولى المجموعات المسلحة التابعة لها بشكل مباشر في لبنان، تحت مسمّى حزب الله مستفيدة من الحاضنة الشيعية وواقعها الاقتصادي والتناقضات التي كان يعيشها لبنان مزامنة مع الحرب الأهلية والوجود الفلسطيني والسوري والاجتياح الإسرائيلي للبنان، كلّ ذلك تحت حجة مواجهة العدو الإسرائيلي وتحرير فلسطين .
توقفت الحرب العراقية الإيرانية بعد ثماني سنوات من المواجهة، ولم تحقّق دول الخليج ما كانت تصبو إليه من تللك الحرب، على الرغم من التكاليف الكبيرة التي تمّ دفعها، عدا التكلفة البشرية الباهظة التي دفعها الشعب العراقي.
بدأت بعد ذلك ظهور التناقضات والخلافات الخليجية العراقية بسبب الحرب، وكانت أولى نتائجها احتلال العراق الكويت وتهديد النظام العراقي المباشرالسعودية، تلتها أحداث كارثية على العراق وعلى دول الخليج والمنطقة بشكل عام، وخصوصاً بعد ما تمّ جلب الجيش الأميركي الذي دمر العراق، وسلّمه لإيران، واحتل الخليج وصادر قرار دوله.
تابع النظام الإيراني إحكام السيطرة على لبنان، بواسطة حزب الله، ما أدى إلى انحسار أكبر للنفوذ السعودي فيه، ثم الوجود العسكري المباشر على الأراضي السورية، بعد بدء الثورة السورية، ودفع الحوثيين في اليمن إلى الاستيلاء على السلطة وفتح جبهة مواجهة على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، والتي أجبرت المملكة على المواجهة المباشرة تحت اسم التحالف العربي، لتكون محصلة التكتيك الخليجي السعودي في مواجهة إيران السيطرة الكاملة على العراق بعد تدميره كلياً، والسيطرة على لبنان وسورية واليمن جزئياً، إضافة لمواصلة إيران بتطبيق مشروعها والتغلغل في الدول العربية كافة، فهل تغيّر دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية تكتيكاتها في مواجهة المشروع الإيراني بصياغة استراتيجية متكاملة تضع في حسبانها الأمن القومي العربي وليس مصالح الأنظمة العربية كأولوية؟
لا بد من وضع استراتيجية قادرة على مواجهة المشروع الإيراني الذي يطوّر أدواته باستمرار، بدلا من تكتيك المواجهة بشكل غير مباشر.
BDE9CA2E-161C-4258-BF6B-B23415571E19
BDE9CA2E-161C-4258-BF6B-B23415571E19
ثائر حربا (سورية)
ثائر حربا (سورية)