بند غائب عن مفاوضات أستانا

بند غائب عن مفاوضات أستانا

17 يناير 2017
+ الخط -
أُقرّت الاتفاقية الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية في العام 1993، ودخلت حيز التنفيذ بعد أربعة أعوام، ولم تكن سورية من الموقعين عليها، ولم يكن في نيتها ذلك، وهي التي لم تعترف أصلاً بامتلاكها هذا النوع من السلاح على الإطلاق.
بعد اندلاع الثورة السورية، وفورة تصريحات مسؤولي النظام، جرى إبعاد الناطق الرسمي لوزارة الخارجية، جهاد مقدسي، على خلفية تصريحه عن وجود سلاح كيماوي في سورية، حين قال "السلاح الكيماوي مخزّن بعناية القوات المسلحة السورية، ولن يتم استخدامه إلا بعد اعتداء خارجي". أغضب هذا التصريح النظام، فاختفى المقدسي من دمشق، لكن صور الأطفال المختنقين بالغاز السام، وتقارير منظمات مستقلة، سببت تهديداً أميركياً لرأس النظام بدا جاداً ودفع مندوب سورية في الأمم المتحدة، بشار الجعفري، للتأكيد "أن سورية امتلكت السلاح الكيماوي لمجرد الردع، وللوقوف في وجه التفوّق النووي الإسرائيلي".
اعترفت الحكومة السورية، في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2013، بأنها تمتلك مشروعاً عسكرياً كيميائياً. وأعلنت عن رغبتها بالانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، بعد أن استخدمت هذه الأسلحة في الغوطة في 21 أغسطس/ آب من العام نفسه. ومن ضمن الاعترافات الحكومية كان حجم مخزونها من المواد الكيميائية المتنوعة الذي يتجاوز الألف طن. وفي أغسطس من العام التالي، أُعلن عن التخلص النهائي من الأسلحة الكيميائية السورية. تم هذا السيناريو ضمن صفقةٍ واسعةٍ، طويت فيها جثث مئاتٍ قضوا بغاز الأعصاب في غوطة دمشق، وتخلص النظام من التهديد الأميركي، وزاد التصاقه بروسيا، حتى صارت العلاقة شبه وصائية بعد وساطةٍ روسيةٍ جرت لإخراج النظام من ورطته الكيميائية.
لم تتوقف أخبار الهجمات الكيمياوية، ولكنها كانت تتميّع بالإعلام، وتضيع في زحام الأخبار العاجلة، واستمر تجريب كل أنواع المحرّمات الكيميائية في سورية، على أماكن انتقائيةٍ، مثل خان العسل وسرمين وتلمنس وبنش وكفر زيتا، وفي أزمنة محدّدة ومختارة.
نشرت "رويترز"، قبل أيام، تقريراً يقول إنها اطلعت على وثيقةٍ تربط لأول مرة بين الهجمات الكيميائية واسم بشار الأسد وشقيقه ماهر، وأن هناك قائمة من ضباط كثيرين مشمولين بالاتهام نفسه. الملفت في التقرير ورود أن الهجمات المرتبطة بهذه القوائم جرت خلال عامي 2014 و2015، أي بعد الإعلان عن التخلص النهائي من كل الأسلحة الكيميائية في سورية. وحقنت واشنطن جرعة مصداقية على التقرير بفرضها عقوباتٍ اقتصاديةً بحق مسؤولين سوريين كبار، لصلتهم بهجمات كيميائية.. عقوبات من هذا النوع ذات قيمة متهافتة، وستذهب إلى أدراج وزارة الخزانة الأميركية بعد الإعلان عنها، ولكنه تأكيدٌ جديد بأن هناك استعمالاً مستمراً للأسلحة الكيميائية لم يوقفه الاعتراف السوري، ولا نزع الأسلحة، ولا خطوط باراك أوباما الحمراء، ولا وجود روسيا بثقلها العسكري، ولا يبدو أنه سيتوقف، لأن شروطه الابتدائية ما زالت سارية المفعول.
وكما شكَّل وجود إسرائيل إلى جوار سورية، وفوق جزءٍ من أراضيها، مسوّغاً لممارسات نظام الأسد في الداخل ضد شعبه، وابتُلعت كل الكوارث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يقوم بها النظام، تحت عناوين الممانعة والردع. وبحجة الوجود الإسرائيلي المتربص، جاء تصريح بشار الجعفري الذي برّر به تطوير الأسلحة الكيميائية في السياق نفسه، ولكن الحال أن النظام لم يتخذ أي إجراءٍ لوقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة، وليس آخرها ضرب مطار المزة العسكري بالقرب من قصر الشعب. قد يبدو الحديث عن أخلاقيات النظام، وتهافت كل نظرياته، عديم الجدوى، ونحن نلوك ست سنوات من الحرب، ولكن التذكير قد ينفع، في وقتٍ يوضّب فيه النظام حقائبه للانضمام إلى محادثات سلامٍ من المفترض أن تنهي الحرب، أو تضع خريطة طريق لذلك، والمفاوضون هم رجالات الجيش أنفسهم الذين خزنوا الأسلحة الكيماوية، واستعملوها ثم تنصّلوا منها، وهم يتابعون حفلة الألعاب النارية التي تقيمها إسرائيل بين الفينة والأخرى فوق رؤوسهم.