طواف الشبح البلّوري

طواف الشبح البلّوري

16 يناير 2017

(Getty)

+ الخط -
للماء رجاله. ليس كل واحد يملك يدين كاملتين يمكن أن يُسلَّم غصني زيتون، أو رمّان، ويقال له فتّش لنا عن الماء. لو كان الأمر كذلك لكان كذلك. رجال الماء في داخلهم ماءٌ يوجههم إلى الماء الجوفي. فالعطش يعرفه الجميع، ولا يمنح أفضلية لأحد. الكل متساوون هنا في العطش. لا تحتاج عينين تريان. يمكن لرجال الماء، أقصد الذين ينفضُّ على أيديهم رصد الماء، أن يكونوا عمياناً. لا اليد الكاملة، الثابتة، ولا العين التي تبلغ قوتها ست درجات على ست درجات يعوَّل عليهما. الماء هو الذي ينفتح على ماء. سترون كيف يمسك رجل الماء غصني الرّمان. آه من مطارق الرّمان التي أهْرت جلودنا في الصغر، فلطالما هزَّها في وجوهنا أعمامنا الذين يسمحون لأنفسهم بتربيتنا بدلاً من آبائنا. غصن الرّمان المختار، من بين أغصان أخرى كثيرة، يفضل الماء. أما أغصان الزيتون فهي مختصّةٌ بطرد حراس الكنوز الخفيّين. لكن، لا كنز هنا يضاهي هذا السائل الذي لا لون له، ولكنه أبو الألوان كلها، ماذا يضاهي قطراتٍ تسقط تباعاً من خاصرة الحجر على فمٍ يكاد يصير تراباً؟ لا قطع من الذهب والفضة، ولا ملاعق وسكاكين الإمبراطور. عندما تعثر على رجل الماء الذي تأتمنه على غصني الرّمان لا يهمُّ كم يتوارى هذا السائل البلوري، في أي طبقةٍ، تحت أي نوعٍ من التربة المتشققة.
جد رجل الماء، واعطه غصني رمّان طازجيْن. لم يستخدما في مهمةٍ سابقة. لم يضرب بهما حمارٌ حرون ولا ولد عاص. غصنان بريئان من الوظائف التي لا تنتهي للأشياء. لا تقل له شيئاً من المحفوظات المستهلكة. سلِّمه مطرقي الرّمان، ودعه يسير فوق شبح يترجرج في خياله. ستراه يتمتم. يستدعي الأسلاف الذين أتمنوننا على الأرض العطشى. غصنا الرّمان كلٌّ بيد. يرفعهما إلى جبينه المكتوب عليه قدره، فيما جماع قبضتيه يستقرّ على القلب. ثم يعقدهما بخيط، يقرأ عليهما رقيته، أصل الغصنين مزروعٌ في خاصرتيه. تعامدٌ. هندسة أحادية الضلع. يمشي رجل الماء هنا. وهناك. لا يلقي بالاً للجهة. لقرص الشمس. للحجر الذي يعترضه، ولا الحرمل أو الشيح، ولا الحرثون الذي يتوارى في جحر، ولا القبَّرة التي تطير، كلُّ نبضةٍ فيه منصبَّةٌ على طرفيْ غصني الرّمان المعقودين بخيط. طواف الماء يستمر. هنا وهناك. طواف حول الشبح البلوري المتواري في الأعماق.
هذا صيد الأعماق. صيد الماء المتواري. اسأله أن يصعد قريباً من السطح المتلهف. قل له اصعد حتى يستدلّ الماء على الماء. والحياة على الحياة. اصعد أيها المتواري مذ كانوا يطوفون بالحجر وقصدهم أن يطوفوا بك. يطوف كاهن الماء بالخرير الذي لا يسمعه أحد غيره.. يمشي هنا وهناك. لا يسمع شيئاً. لا يرى شيئاً. إنه أعمى الماء الذي يراه بالبصيرة. فجأةً يغمز طرفا قضيبي الرمان، كما لو كانا صنّارةً عادت من الغمر بصيدٍ ثمين. يتقوَّس المطرقان الأخضران الريانان، وينحني ماؤهما على الماء، ثم يرتدّا إلى صدره. يقولان لرجل الماء هنا يرقد الإكسير المحفوظ. لكن رجل الماء لا يضع مطرقيه المعقودين جانباً، رغم أنه شبه متأكد من الخبر السار. يمشي مرةً أخرى. يعيد كل ما فعله من قبل بالضبط. إن ارتد مطرقا الرّمان إلى صدره مرة ثانية وثالثة. بقوة، تشبه الضرب لمن لا يعرف، يحلُّ وثاق المطرقين اللذين سافرا إلى الأعماق وعادا منهكيْن ومبلوليْن. هنا الكنز المرصود.
هنا الإكسير المحفوظ.
هنا صانع الحياة،
أبوها،
ربّها.
II
سمعت من لا فم له يقول:
هوولي ووتر
هوولي شيح
هوولي رمل
هوولي ماء.

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن