التنميط العنصري للخليج

التنميط العنصري للخليج

13 يناير 2017

لوحة "المربع الأسود" للروسي كازيمير ماليفتش

+ الخط -
لم تترك العملية الإرهابية في ملهى رينا في إسطنبول التي ذهب فيها عشرات الضحايا، معظمهم من العرب، أسىً في نفوس عائلاتهم، لفقدهم فقط، بل تركت أيضاً كشفاً لمفاهيم اجتماعية في عقول عرب كثيرين. أعادتنا هذه الفجيعة إلى أسئلة التنميط والنزوع العنصري في الحديث عن النساء والرجال السعوديين الذين كانوا من بين الضحايا، فمن جهةٍ لم يظهر أي اكتراثٍ بوجود ضحايا سعوديين في مجمل ما كُتب، إن كان في وسائل الإعلام، أو في وسائل الاتصال الاجتماعي، بل ذهب التركيز على الضحايا اللبنانيين والتونسيين والأردنيين والفتاة الفلسطينية، حتى أن هناك من لم يعلم الّا بعد أيام بوجود ضحايا سعوديين. ويحيلنا الحديث عن عدم الاكتراث إلى كثافة الاكتراث بكل ما يتعلق بالخليج، حيث لا يرى كثيرون غير الحكام والدشاديش، ولا يرون شعوباً. لا يمكن وصف النظرة النمطية تجاه الخليج الّا بالعنصرية من العرب، مشرقاً ومغرباً، فلطالما نظر المثقفون العرب إلى المجتمعات الخليجية نظرة استخفافٍ واستعلاءٍ تخفي، في طياتها، نزعةً سيكولوجية تتصف بالدونية والحسد وعدم الإنصاف.
منذ الثلاثينات من القرن الماضي، حين بدأت فكرة تميّز المشرق العربي عن بقية الشعوب العربية التي جاء بها أنطون سعادة، مؤسس الحزب السوري القومي الإجتماعي، وشعاره الأثير أن الأمة السورية هي جبهة العالم العربي، وصدره وسيفه وترسه، وأن أبناء الأمة السورية هم حماة الضاد ومصدر الإشعاع الفكري. وقد تلقف مثقفو الشرق هذا المفهوم، وصاروا لا يرون في القمة الحضارية والإبداعية غيرهم، وعياً أو لاوعياً، ممتداً إلى اليوم، في نظرتهم المتعالية تجاه بقية الأطراف العربية. ومنذ جاءت الفكرة القومية العربية الناصرية في الخمسينات أن القاهرة هي قلب العروبة النابض. ومنذ جاء "البعث" في العراق وسورية، ليصل بالشعور القومي إلى ذروة العصبية والإستعلاء. ومنذ جاء الزعيم التونسي، الحبيب بورقيبة، ليشيع شعوراً قومياً تونسياً، لا يختلف كثيراً عن العصبيات القومية العربية والبعثية بالتميز والنخبوية. منذ هذا كله، صار المثقفون العرب أسرى أوهام التفوق والنخبوية المبنية على مفاهيم لم تستقم وتطورات الواقع المتفسخ طائفياً ومذهبياً وعرقياً الذي يعيشه العالم العربي اليوم. لا بل زادت على الفجائع العربية المتأصلة في تاريخ التشكلات الاجتماعية اليوم فجيعة الانقسام المذهبي الذي أحدثته نزعة التفوق الفارسي على كل العرب، مشرقاً وغرباً، والتي لا تأخذ معها سوى المنتمين لها مذهبياً.
نقرأ كل يوم مسخرات مثقفاتيةٍ عربيةٍ على إنجازات خليجية، ومبادرات تقدمها دول الخليج، ليستفيد منها المثقفون العرب، وكأن نظرة العرب تجاه الخليج وقفت وتمسمرت في صحراء الأعراب الذين لم يرَ فيهم سعادة وعبد الناصر والفكر البعثي والبورقيبي غير رعاة للإبل، يقتعدون الصحراء القاحلة، ولا علاقة لمواطنيهم بالأدب ولا بالفن ولا بالفكر ولا بالحضارة ومواكبة العصر. وإذا برز اسم خليجي في عالم الثقافة بتنوعاته، فهو لا يستحق صفة الإبداع، ولا الاعتراف، لأنه صناعة نفطية. وأبسط مثالٍ الحملة السوقية إزاء المغنية الخليجية أحلام، لا لشيء سوى انتمائها إلى الخليج، وقس على ذلك الحديث عن شراء ذمم الكتاب أو السينمائيين أو الفنانين العرب من دول الخليج في المسابقات الرسمية، وحصولهم على جوائز مجزية، لا يحلمون بالحصول عليها في بلادهم. ومع ذلك، لا نجد من يلوم هؤلاء الفائزين، وكأن دول الخليج أرغمتهم على التقدم إلى تلك المسابقات، لتفسدهم بمالها. لا يريد المثقفون العرب أن يعترفوا بما يقدمه الخليج للثقافة، ولا اعتراف بمثقفي الخليج، لا في الأدب ولا في السينما أو غيرها من الفنون. ولو تقاعس الخليج عن ذلك، فإن صندوق الشتائم جاهزٌ، فالخليجيون يبذخون ويسرفون ويتهتكون، وأموالهم ليست صالحةً سوى للخلاعة وتشجيع الأصولية والإرهاب، وكأن لا أحد هناك سوى الصحراء والحكام والإبل والنفط.
8FEA7E0E-EB59-44E6-A118-ECD857E16E1C
نصري حجاج

كاتب ومخرج سينمائي فلسطيني، ولد في 1951، كتب في صحف في بريطانيا ولبنان والإمارات وفلسطين، أخرج عدة أفلام وثائقية، حاز بعضها على جوائز في مهرجانات دولية. نشرت له مجموعة قصص قصيرة في رام الله، وترجم بعضها إلى الانكليزية.