جبران جابر عواجي

جبران جابر عواجي

12 يناير 2017

جبران جابر عواجي.. شجاعة في مواجهة إرهابيين

+ الخط -
كانت 2003 سنةً مختلفةً للإرهاب في السعودية. لم تكن المرة الأولى آنذاك التي تتعرّض فيها المملكة لهجماتٍ إرهابية، فقد حدثت عمليات في التسعينيات، لكنها بدت وقتها منفصلةً ومعزولةً، والحديث هنا عن تفجيرات العليّا في الرياض 1995 وتفجير أبراج الخبر 1996. الأول يُنسب لمجموعةٍ جهاديةٍ نعى أسامة بن لادن أفرادها واعتبرهم أبطالاً. والثاني يُتهم فيه "حزب الله الحجاز"، الجماعة القريبة من الحرس الثوري الإيراني.
قُرئ استهداف مجمعي الحمرا السكني والمحيّا في الرياض سنة 2003، مباشرة باعتباره موجة إرهابية، لا أعمالاً منفصلة، بسبب ارتباط سياقها بأحداث سبتمبر/أيلول، والمداهمات الأمنية التي سبقت تلك العمليات. وكان اعتبارها موجة إرهابٍ يعني الدخول في مواجهةٍ داخليةٍ مفتوحة ضد خلايا مسلحة، كانت مكلِفة ودامية، وإنْ لم تنعكس إلا على حياة عددٍ قليلٍ من السعوديين، من ذوي ضحايا الإرهاب، والمتهمين به القابعين في السجون.
أثّرت سنوات مواجهة الإرهاب بين 2003 و2006 كثيراً في السعوديين. أصبح الوجود الأمني الكثيف مُشاهَداً ومقبولاً، في دولةٍ لم تشهد مظاهر عسْكرة (مثل كل دول الخليج تقريباً) عكس بعض الدول العربية خاصة التي حكمها عسكر، ورسموا الحياة العامة فيها.
لكن التغير الأهم في السعودية كان على مستوى النقاش في المجال العام. إذ فتحت سنوات مواجهة الإرهاب المجال أمام الحديث عن المبادئ الدينية التي تم استثمارها، وإعادة تأويلها، لتتناسب مع إيديولوجيات جماعاتٍ مسلحة. مثل العلاقة مع غير المسلمين، والولاء والبراء، وما يتعلق بدار "الإسلام والكفر"، وغيرها من المبادئ التي كانت تتعلق، بشكل مباشر، بشعارات العمليات المسلحة آنذاك، والتي كان عنوانها "إخراج المشركين من جزيرة العرب"، أي إنهاء الوجود الأميركي.
حدثت بالتوازي ثلاثة تغيرات مهمة في السعودية، تحتاج نقاشاً كثيراً حولها. الأول تغير أمني، تمثل في بناء قدراتٍ أمنيةٍ متخصصة لمواجهة الإرهاب. وهذا ما أظهرت السعودية تفوقاً نسبياً فيه، خاصة مع مواجهات تنظيم الدولة الإسلامية اليوم.
يتعلق التغير الثاني بالمجتمع. ففي 2001، كانت الشكوك تراود كثيرا من الناس حول شرعية الأعمال المسلحة خارج إطار الدولة، لأنها تستهدف "مصالح أميركا" التي تمثل العدو المطلق. تغيرت هذه النظرة كثيراً بعد تحوّل الجماعات المسلحة لاستهداف دولٍ إسلامية، مثل السعودية والمغرب، وقتل "مسلمين" بشكل مباشر.
وهذا يقود إلى التغير الثالث، حيث كانت أدبيات الجماعات المسلحة تحاول تبرير مقتل رجال الأمن، باعتباره "تترُّساً" و"يُبعثون على نياتهم"، باعتبار أن قتلهم ليس مقصوداً في ذاته، والحديث هنا عن استهداف "المصالح الأميركية" في السعودية وأدبيات تنظيم القاعدة التي تجنبت، في بدايتها، الدخول في مواجهة مع المجتمع.
سرعان ما تغيرت هذه الأدبيات، ليصبح استهداف رجال الأمن مطلوباً بحد ذاته، باعتبار أن "الحكومة كافرة وأعوانها من رجال الأمن كفار أيضا"، الفكرة التي نظّر لها السعودي فارس بن شويل (أو أبو جندل الأزدي) في كتاب له عنوانه "الباحث عن حكم قتل أفراد وضباط المباحث".
قُدّمت تضحيات كثيرة في هذا السياق. استشهد رجال أمن كثيرون في ملاحقة إرهابيين. توزعت المداهمات الأمنية على خارطة المملكة باتساعها. نجحت هذه الجهود وأخفقت. فتم إحباط عمليات إرهابية، ونجح الإرهابيون، أحياناً، في تحقيق مرادهم. لكن، في كل هذا السياق، يجب أن تحضر دائماً تضحيات السعوديين من رجال الأمن.
يحضر هنا اسم جبران جابر عواجي، باعتباره أحد رجال الأمن السعوديين الذي وثّقت الكاميرا مؤخرا شجاعته في مواجهة إرهابيين. ففي مداهمات حي الياسمين في الرياض، الأسبوع الماضي، وثقت الكاميرا وقوف عواجي أمام إرهابيَين يرتديان حزامين ناسفين، ويحملان بنادق آلية، ليواجههما بسلاحه الشخصي، ويقتلهما (بمساعدة رفاق لم يظهروا في المقطع). احتفى السعوديون بالمقطع كثيراً، لأنهم رأوا فيه بطولةً سمعوا بها طويلا، لكنها لم توثّق من قبل.

دلالات

424F7B7C-113B-40E9-B0BD-EFA3B6791EB5
بدر الراشد

كاتب وصحافي سعودي