إلى "الإخوان": ليس كافياً

إلى "الإخوان": ليس كافياً

08 سبتمبر 2016
+ الخط -
لا يكفي أن يقول قياديون في جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وحزب الحرية والعدالة الذي يعبّر عنها، إن المقال الذي حفل بمضامين عنصرية وطائفية بشأن المصريين الأقباط، ونشرَه موقع إلكتروني محسوبٌ على الحزب والجماعة، لا يكفي أن يقولوا إنه لا يعبّر عن رؤية هذه وذاك، وإن الأقباط "شركاء في الوطن". ببساطةٍ، لأن قولهم هذا روتينيٌّ وشديدُ التقليدية، فجميعنا يعرف أن وثائق "الحرية والعدالة" و"الإخوان" لا تشتمل على أيٍّ من المضامين الكريهة التي بثّها الكاتب الإخواني في مقاله. والمألوف، عند الإسلاميين (وغيرهم) أنه لا يصدر عن القيادات فيهم، غالباً، غير الكلام الطيّب والمُرضي في غير مسألة، أما القواعد والعناصر، الصغرى والمتوسطة في مراتبها التنظيمية، فغالباً ما تردّد فيما بينها، ويتسرّب منها، كلامٌ آخر ومختلف. ولأن صاحب المقال التافه كاتبٌ ومعروفٌ بإخوانيّته (يوصف بأنه متطرّف)، فإن لا شيء يؤكّد أن القناعة بين شرائح "الإخوان المسلمين" في مصر هي أن الأقباط هم فعلاً شركاء في الوطن. ولا شطط في الظن (وسوء الظن من حُسْن الطويّة) أن أغلب المنتسبين للجماعة في الأردن، مثلاً، لا يتبّنون شعوراً طيباً وإيجابياً ووحدوياً تجاه (إخوتهم؟) المسيحيين من أبناء البلد. وإذ أصدر "الإخوان" السوريون، قبل نحو عامين، وثائق ممتازة، تشتمل على أطروحاتٍ متقدمةٍ في شؤون الوطن وأبنائه والنظام المدني المرتجى إقامته بعد الأسد، فإن التساؤلات التي عقّبت عليها بمقادير من الشكوك كانت محقّةً ربما، أو أقله مسوّغة، ذلك أن النصوص قد لا تكشف دائماً ما في النفوس، والقيادات المتقدّمة قد تتبنّى خطاباتٍ بديعة، غير أنه ليس في وسعنا أن نحسم أن عناصر صغرى ومتوسطة (وكثيرة) تمارس هذه القناعات، وتهتدي بها، ولا تصدر من هذه العناصر تعبيراتٌ مغايرةٌ لهذه القناعات. 

لم نُصادف خبراً أن عامر شمّاخ، صاحب التفوّهات المرذولة في مقاله في البوابة الإلكترونية لجريدة حزب الحرية والعدالة (المتوقفة عن الصدور) عاقبه المسؤولون في جماعته، بالفصل أو بتجميد عضويته، أو بتقريعه، وهو الذي ارتكب ما يعدّ ضرباً في الوحدة الوطنية للمصريين. وقد ذاع، في أدبياتٍ مدنيةٍ ودولتيةٍ وفيرة، أن أمريْن لا يجوز أن يكونا مباحيْن للثرثرة بشأنهما كيفما اتفق، ومن أي أحد، الوحدة الوطنية للمصريين ومياه النيل. بل إن شمّاخ يؤلف من عنديّاته إن "نصارى مصر" (تعبير كاشفٌ عن رؤيةٍ معادية)، الذين يشير إلى عددهم لتأكيد أنهم أقلية، (!!) يتطلعون إلى اليوم الذي تتحوّل فيه مصر إلى النصرانية. ويتوعّد بأنه "لن يسمح مسلمٌ بزرع دولةٍ نصرانية في ربوع المحروسة على غرار الدولة اليهودية في فلسطين". وكلامٌ في غاية السوقيّة من هذا القبيل، وينشره منبرٌ إخواني، من العجيب أن يردّ عليه متحدّث باسم الجماعة وآخر مسؤول قيادي فيها بأنه لا يعبّر عن رؤية "الإخوان المسلمين"، وكفى الله المؤمنين شر القتال، وإن ذكّرّانا (ونحن غير ناسين) بأن نائب رئيس حزب الحرية والعدالة كان قبطياً.
من الشائن أن يُردّ على هذا الكلام (وكثير مثله في غير بلد عربي) بالتذكير بأسماء علماء ونوابغ ومفكّرين وأدباء، مصريين مثلا، كانوا مسيحيين، وكأن مسيحيّتهم هي ما يُعرّفون بها، وأنها التي أرادوا أن يتم تعريفهم بها (تمّ تذكير جبريل الرجوب بعد سقطته المعلومة، أخيراً، بأن إدوارد سعيد وجورج حبش مسيحيان). لا، ليس هذا ردّاً. الرد ابتداءً هو بمعاقبة عامر شمّاخ وأمثاله، ومقاضاتهم، لأن ما يثرثرون فيه لا يندرج في حرية الرأي والتعبير، وإنما في حرية التهديم الاجتماعي الذي لا يجوز التسامح معه. وعجيبٌ في الأردن الانشغال بما كان يقوله الأستاذ الجامعي المفرج عنه قبل أيام، أمجد قورشة، عن رفضه الحرب العسكرية ضد "داعش"، فيما للمذكور كلامٌ مذاعٌ غير لائق بشأن المسيحيين، ما كان ينبغي وحده أن يسوق صاحبه إلى المحكمة. ولأن حالة شمّاخ، لشديد الأسف، تتجاوز شخصه، وفي غير مصر أيضاً، فثمّة متشابهاتٌ وفيرةٌ لها في بلادنا العربية الزاهرة ببيارق الطائفية والمذهبية والإقليمية والعشائرية، فإن الأدعى أن يُساق هذا الرجل إلى القضاء، لأن استباحته مواطنين مصريين، باستخفافٍ واستعلاءٍ عنصريّين ظاهريْن، جريمةٌ في كل القوانين، إلا قانون "الإخوان المسلمين"، فيما يبدو.
358705DE-EDC9-4CED-A9C8-050C13BD6EE1
معن البياري
كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965. رئيس قسم الرأي في "العربي الجديد".