دلع مكرم

دلع مكرم

29 سبتمبر 2016

مكرم محمد أحمد: مخزون المصريين من الدلع ينتهي

+ الخط -
للأجهزة الأمنية في مصر موضات للصيف والشتاء والربيع والخريف، وكلها تقوم بتسويقها للناس أولاً الصحافة والإعلام وآراء أهل الفن جسّ نبض، وهم المخزون الاستراتيجي للسلطة مع طائفةٍ من الكتّاب، كي تختبر الشارع. ومن ثم طرح الموضة المناسبة، وقد خصّصت الأجهزة الأمنية هذا الخريف لمكرم محمد أحمد، ابن الثمانين ربيعاً، موضة (الدلع)، كي يقوم بتجريبها بنفسه على أعتاب فصل الخريف، على اعتبار أن المصريين شربوا من عسل الدلع الأطنان والقناطير المقنطرة من الدلع، حتى لم يعد لدى السلطة في مخزونها من الدلع ما يكفي للأجيال القادمة، فنبهت الأستاذ مكرم أن يقول للمصريين إن مخزونكم الاستراتيجي من الدلع قد أوشك أن ينتهي، وعليكم أن تجهزوا أصداغكم وأقفيتكم للآتي. وهذا ما قاله، بالحرف الواحد، صحافي آخر، أصغر سناً ويتلقى الأوامر من "الأمن الوطني" رأساً، وأحياناً من ضباط الشرطة، نظير خدمات وظيفية في الأجهزة الحكومية. ومن أسبوعين، كان يقول "المطلوب حكومة حرب". واستمرت موضة "حكومة الحرب" تلك أسبوعاً، ثم همدت في السوق، حتى كانت "حادثة مركب رشيد"، وقد كان الأستاذ مكرم قد سبق الحادثة بيوم، وأطلق "موضة الدلع"، فتلاقت الموضتان على السلم في يوم واحد، موضة "كفى طبطبة واضرب الأصداغ" للصحافي الصغير الذي يعمل في جريدة الحوادث مع "موضة الدلع" لمكرم محمد أحمد.
وأصبحنا جميعا في القلب من (دلع مركب رشيد)، فكدنا في حيرةٍ من أمرنا، أنتلقى دلع الأصداغ وفرحها بكفوف العسكر، وهي تحنو علينا تقبيلاً أم نتلقى دلع مكرم، أم نتلقى دلع البحر للغرقى؟ بصراحة، كثر الدلع علينا وتشابه، فأصبحنا في حيرةٍ من أمرنا.
لم يملّ مكرم خدمة الأنظمة، فقد ظل يكتب خطب حسني مبارك تسع سنوات، وواضح أن الرجل يحاول جاهداً أن يجدد عقده مع عبد الفتاح السيسي، وهو في هذا العمر الحرج. واضح أن كتابة خطب الرؤساء تدرّ على أهل مهنة الصحافة الكثير، وإلا ما كانت خطبة واحدة عاطفية لأحمد المسلماني لتجعل منه مستشاراً إعلامياً لرئيس الجمهورية.
عودة إلى الموضات، وصكها وخراطتها، ابتداءً من سقوط مبارك إلى الآن، تجدها خراطة واحدة، وغشم واحد، وماكينة واحدة، واضح أن "الخرّاز" غشيم. مثلاً: "كشف العذرية" انتهاءً بـ "عصر الأثداء"، "اشنق يا سيسي" بعد الأحكام العوراء على رئيس جمهورية ورئيس برلمان و76 عضواً من أعضاء مجلس شعب (كل هؤلاء صاروا مجرمين، بعدما اختارهم الشعب في خمسة استحقاقات انتخابية)، والغرب اللئيم بالطبع لا يصدّق هذا، لكنه "يطرمخ"، (فطالما ذبح عدوي جاء عن طريق أخيه، فأنا مالي بالذبح، طالما اللحم جاءني طازجاً والريح مواتية، فمالي وطريقة الذبح، إنه الصيد وجاء، فأهلا وسهلا بالماء العكر، نطلقه للسمك دائما في أوقات الصيد". والغريب أنهم دخلوا بوابة الإجرام في سنةٍ واحدةٍ، لا غير.
"سبحان مغير الشعب"، وتوالت الموضات تباعا، "ذبح الخرفان"، "الأستبن" لخنق رئاسة محمد مرسي، حتى قبل أن تولد، مساءات سعد الصغير وانتصار، ومسلسلات أحمد عز الممثل وهروبه من النسب لطفلين، وصناعة مسلسل على المسلسل نفسه، و"مسلسل عكاشة"، وبقيته التي لا تزال في العلب، ثم مسلسل ابن مرتضى منصور وعمرو الشوبكي، كلها موضات موسمية، تضاف إلى موضة مجلس الشعب الذي يذهب أول مرة "إلى وزير الدفاع، حسب الطلب والأوامر". بالطبع، لم يحدث هذا لا في العراق، ولا حتى في سيراليون.
كلها موضات تجرّب في الشعب حسب الفصول والأوان. والشعب بالطبع هناك يشرب من واحة وعسل الدلع ولا يفيق، فالدخل محترم، والصحة بمب، حتى إن المستشفيات لا تجد مريضاً واحداً كي تعالجه، لأن الجميع في غاية الدلع، سواء في الساحل الشمالي أو في شرم الشيخ أو الغردقة. والبلدة بالطبع فارغة جدا، والهواء عليل، والراقصات في المراكب، أو في ساحات المعابد ينهلن من حكمة "رع"، حتى الكتاكيت في سلام مع السباع والأسود "والجرابيع"، والمراكب وحدها تمخر في النيل على التراتيل، والناس في منتجعاتهم لاهون، والشرطة تحرس الجميع، والجيش على الحدود، وعم مكرم محمد أحمد هو الآخر في صحن فلته يغنّي لأحفاده بكل لغات العالم: "على ورق الورد دلعني".