"نداء تونس" وإعادة التشكّل

"نداء تونس" وإعادة التشكّل

22 سبتمبر 2016

أمام مقر "نداء تونس" بعد نتائج انتخابات 2014 (الأناضول)

+ الخط -
على الرغم من فوزه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية لسنة 2014، لم يتمكن حزب نداء تونس من الحفاظ على وحدته التنظيمية، لعوامل كثيرة تتعلق أساساً بنمط تشكله والصراع الداخلي بين القوى النافذة فيه، والتي تمثل شقوقاً متعدّدة ذات توجهات مختلفة، في أحيان كثيرة، وتجمعها المصلحة وريع المرحلة أكثر من أي شيء.
تشكّل الحزب قوة فاعلة حول شخصية زعيمه المطلق، الباجي قائد السبسي، غير أن هذا العامل لم يكن كافياً وحده لضمان الاستمرارية، بقدر ما أحدث إشكالاتٍ عديدةً بشأن المواقع الحزبية، أفضت إلى انشقاقات وتغييرات في صلب البنية القيادية في أكثر من محطة، بداية من الصراع بين نجل الرئيس حافظ السبسي ومحسن مرزوق الذي انشق لاحقاً، ومروراً بانقسام كتلته البرلمانية، وظهور كتلة الحرة، ووصولاً إلى تغيير المواقع القيادية، سواء من خلال استقالة رئيس كتلته البرلمانية، الفاضل عمران، واختيار سفيان طوبال محله، لنصل إلى مرحلة الدعوة إلى اختيار رئيس جديد للكتلة، وتعيين رئيس الحكومة الجديد، يوسف الشاهد، رئيساً للهيئة السياسية للحزب، وهو المنصب الذي ظل شاغراً منذ استقالة رضا بالحاج في مايو/ أيار الماضي.
تتعلق الإشكالات التي تثيرها أزمات حزب نداء تونس، ورغبة قياداته في مجاوزتها، بجانبين: أولهما محاولة الحفاظ على نفوذه القوي في أجهزة الدولة، وهو الذي ينفرد برئاسة المؤسسات السيادية الكبرى الثلاث، ونعني بها رئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس النواب. ومن جهة ثانية، الرغبة الواضحة في الاستمرارية في الحكم في المرحلة المقبلة، وهو ما يستدعي إعادة التشكل ومراجعة الجهاز التنظيمي المترهل للحزب.
وبالنظر إلى الخلفية السياسية لغالب قيادات "نداء تونس"، بوصفها نتاجاً للحزب الحاكم زمن الاستبداد، فإن غالبية الفاعلين فيه يفكرون بمنطق الحكم، والبقاء على رأس الدولة أكثر من محاولة ممارسة السلطة، بوصفه حزباً يسعى إلى تقديم برامج، والنجاح في إدارة الأجهزة الحكومية، وتقديم نموذج ناجع لحل الأزمات العاصفة التي تحيط بالبلاد، وخصوصاً من جهة ملفي البطالة والفساد، وما تثيره من توتر اجتماعي حاد في مناطق مختلفة.

تكشف ملاحظة أشكال التعامل التي يبديها حزب نداء تونس مع الوضع العام في البلاد، من خلال مواقعه المركزية في الدولة عن رغبة واضحة في إعادة التشكل من خلال أجهزة الدولة، وهذا ما نلاحظه، خصوصاً من خلال التعيينات التي يفرضها على رأس الهياكل الإدارية والخدماتية في الدولة، فالتعيينات الأخيرة في سلك الولاة، مثلاً، عبرت عن ميل واضح إلى تعيين عناصر موالية، بعيدا عن منطق الكفاءة، وإنما الغاية هي مزيد إحكام السيطرة على المواقع المختلفة للسلطة في مستويات مختلفة، بما يضمن للحزب الإمساك بالإدارات المحلية التي تدير العلاقات مع المواطن، وتقدّم الخدمات المباشرة، وهو أمر سيكون له أثره في أي انتخابات مقبلة.
سعى "نداء تونس" إلى منح قياداته ومحازبيه مناصب مختلفة، تراوحت بين السفارات والإدارات والحضور في الولايات والمعتمديات، بما يمنحه أسبقية واضحة على كل منافسيه في العملية السياسية. وبغض النظر عما يبدو من وجود محاصصةٍ حزبيةٍ في المناصب الوزارية، من خلال الائتلاف القائم في حكومة يوسف الشاهد، فإن جهد رئيس الحكومة الجديد يبدو منصباً على ضمان استمرارية نفوذه وبقائه، مستفيدا من الامتدادات التي يتمتع بها "نداء تونس" داخل الدولة العميقة، وهو الذي يقدّم نفسه بوصفه امتداداً للمراحل السابقة التي حكمت الدولة التونسية زمن الحزب الواحد والحكم المطلق. وتكمن خطورة هذه التوجهات في سهولة الانزياح إلى نمطٍ من الحكم الاستبدادي الناعم تحت شعارات مختلفة، مثل الاستقرار الاجتماعي ومكافحة الإرهاب وغيرها، ولأن رتابة المشهد السياسي وتكلسه قد أحدث نوعاً من العزوف الشامل عن العمل الحزبي والسياسي عموماً، فإن هذا الوضع يشكل البيئة المناسبة تماما لتخليق نمطٍ من الحكم الذي يحفظ استمراريته انتخابياً. ولكن، بالاستفادة من وجوده القوي في الإدارة وأجهزة الدولة بتشابكاتها المختلفة.
وإذا أخذنا في الاعتبار حداثة التجربة الديمقراطية التونسية، وحالة الردّة التي تشهدها المنطقة العربية بدعم دولي، فإن فكرة التقليص من سقف الحريات وضبط الأوضاع لمصلحة حاكم متسلط قد تبدو فكرة مغريةً وجذابةً، خصوصاً لشخصياتٍ تربت ضمن أجهزة حزبية سلطوية زمن الطغيان وسيطرة الحزب الواحد، وربما هذه الخلفية هي التي أثارت هواجس كثيرة لدى بعض الناشطين حقوقياً، على خلفية ما يُقال عن تدخل أجهزة سيادية، للضغط على إحدى القنوات التلفزيونية المحلية، لمنع بث حوار مع الرئيس السابق المنصف المرزوقي.
المطلوب سياسياً في المرحلة الحالية، بالإضافة إلى إعادة الاعتبار للعمل السياسي والحزبي، وتحويله إلى مسألةٍ جديةٍ، بوصفها السبيل الأمثل والوحيد للتغيير السياسي وتداول السلطة، فإن من الضروري دعم أجهزة الرقابة الشعبية ومتابعة كل التعيينات السياسية التي يقوم بها الحزب الحاكم حالياً، ومحاسبة أتباعه ممن يتولون مسؤولياتٍ في صلب أجهزة الدولة، لمنع عودة سياسة التغوّل وقطع الطريق على أي تحول نحو نظام استبدادي، كافح التونسيون طويلا من أجل إطاحته زمن حكم بن علي.

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.