لا احتفالات بهزيمة "داعش"

لا احتفالات بهزيمة "داعش"

03 سبتمبر 2016
+ الخط -
يتراجع تنظيم الدولة الإسلامية منذ بدايات 2015، وهو يقر بهذه الهزائم، ويتبنى خطاباً يمزج بين التعزية والوعود بالنصر المبين "في النهاية". ومع أهمية هذا التحول، إلا أن العرب لا يظهرون أي غبطة. فباستثناء احتفال أهالي بعض المناطق "المحرّرة" بخلع النساء "البوشية السوداء" وحلق اللحى، وتدخين السجائر، لم يكن هناك احتفاء مهم بتراجع "داعش" في المنطقة، وخطاب التنظيم الممهد لهذا التراجع.
تبنى تنظيم الدولة، منذ بدايات يونيو/حزيران، والذي وافق أول شهر رمضان، خطاباً دشّنه المتحدث باسم التنظيم، أبو محمد العدناني، ليقرّر أمرين: تخلي التنظيم عن مناطق سيطرته لا يعني بالضرورة هزيمته، وإنما هي "معركة ضمن معارك"، و"الهزيمة ابتلاءٌ، لكن العاقبة للمتقين". والأمر الآخر دعواته الحثيثة أنصار التنظيم، في العالم، إلى القيام بهجماتٍ لصالح التنظيم، حتى لو كانت شديدة البساطة "كطعنة سكين أو رمياً بحجر"، بحسب العدناني. وكان الخطاب يائساً لحظتها، في أجواء التمهيد لمعارك دخول الفلوجة العراقية.
أصدر التنظيم، أو بشكل أدق، ولاية "الجزيرة"، والتي تضم أراضيَ بين مدينة القائم العراقية والبوكمال السورية، أي الجزيرة الفراتية، أصدرت الولاية، أخيراً، شريطاً باسم التنظيم، نحّى، إلى حد كبير، مسألة "الهجمات الانتقامية" جانباً، وركّز في الشريط المصور على أن الهزيمة "ابتلاء من الله"، وأن النهاية ستكون "النصر على الكفار حتى لو انتصروا في البداية"، مع التأكيد على أن المعارك "كرّ وفر"، والتذكير بمصير "المنافقين والمرتدين".
من المثير، هنا، التجاهل الواسع لهذا الفيديو، وخطاب التنظيم الأخير، على الرغم من أنه يأتي في ظل تراجع "داعش" في سورية، وخسارته أهم معاقله في العراق، مع توقف تدفق المقاتلين إلى "داعش"، واصطفاف جهاتٍ جديدة لقتاله جدياً، أبرزها تركيا بالتأكيد، لتدخل على خط دعم الفصائل السورية المقاتلة لداعش، لتضاف إلى حشد إيران الشعبي في العراق، وأكراد الولايات المتحدة الأميركية.
عدم الاحتفاء بهزيمة داعش مؤشرٌ مخيفٌ على الأوضاع التي وصلت إليها المنطقة، حتى أصبحت كارثة تنظيم إرهابي، ومجرم، مثل تنظيم الدولة، ما هي إلا مشكلة واحدة، من حزمة مشكلاتٍ لا تنتهي، وبالتالي، فهزيمة داعش لن تعني الكثير هنا، لكثير من البشر.
عندما نتحدّث عن العراق، نجد أن تنظيم الدولة الإسلامية في الأساس كان عرضاً لمرض هائل، يفتك ببغداد منذ مدة ليست قصيرة، بغداد التي تخلصت من الاستبداد والدكتاتورية، لتواجه الاحتلال الأميركي المجرم، دخلت في أطوار حرب أهلية طائفية، وتدخلاتٍ أجنبية، لتنتهي الأوضاع إلى حكومة "المنطقة الخضراء" التي لا تملك من أمرها الكثير، ودولة مليشيات إيرانية، لم تعد تقبل حتى انتقاداتٍ كلامية، من شخصٍ لا يمثل أي تهديدٍ للنظام، بل جزء منه، مثل وزير الدفاع العراقي المقال أخيراً، خالد العبيدي.
في ظل أوضاع الفساد والانقسام الأهلية، والمليشيات الطائفية، تصبح "داعش" واحدةً من مشكلات العراق، وهزيمته تسكيناً لآلام مصاب بمرضٍ عضال، لا يُنتظر شفاؤه في المدى المنظور.
أما في سورية، لا تبدو الأمور أحسن حالا، فكل المآسي التي عصفت بالسوريين، جاءت قبل داعش، فالنظام السوري هو الذي قام بكل الرزايا، قبل "داعش"، فهو الذي أطلق النار على مظاهراتٍ سلمية، ثم قصف المدن، واستخدم الأسلحة الكيمياوية، وجنّد المرتزقة من الخارج، واستعان بالشبيحة، وارتكب المذابح الطائفية، وجاء بالإيرانيين والروس لدعم مجازره، وقتل الآلاف تحت التعذيب في السجون، وتسبب بأكبر أزمة لجوء في العالم منذ الحرب العالمية الثانية... كل هذا قبل ظهور "داعش" أو جبهة النصرة، وقائمة طويلة أخرى من "التنظيمات السلفية الجهادية".
هزيمة داعش على الأرض، إذا استمر تراجعه على هذه الوتيرة، قد يلزم سنتين أو ثلاثا، وتجاوز الآثار الجانبية لانهيار التنظيم قد يأخذ المدة ذاتها. أما الرابحون من ظهور التنظيم، وانهياره، فأكثر من أن يتم إحصاؤهم. أما الخاسرون، فلا تكاد تخطئهم عين، بين القبور والبيوت المدمرة.
424F7B7C-113B-40E9-B0BD-EFA3B6791EB5
بدر الراشد

كاتب وصحافي سعودي