يكرهون العلم... والإصلاح؟

يكرهون العلم... والإصلاح؟

18 سبتمبر 2016
+ الخط -
يُحكى أن مخترعاً ألمانياً، يدعى يوهانز غوتنبرغ أعلن، عام 1445، عن اختراعه المطبعة، والذي غيّر في البشرية تغييراً عظيماً، وتعتبر المطبعة من أهم اختراعات البشرية، لأنها ساهمت في الإسراع بنشر العلوم والثقافة والأدب والأفكار المختلفة، ما أسهم في التنوير والنهضة الأوروبية.
ويحكى أن السلطان العثماني، بايزيد الثاني، أصدر فرماناً بحظر الطباعة على المسلمين في كل أقطار الدولة عام 1485، وصدّق السلطان سليم الأول عليه في 1515، ولم تدخل الطباعة إلى دولة "الخلافة الإسلامية العثمانية" سوى عام 1727، بقرارٍ كان محاطاً بقيود كثيرة، مثل موافقة لجنة من علماء الدين ورجال القضاء على أي كتاب قبل الطباعة، فلم يتم طباعة إلا 17 كتاباً، حتى تم إيقاف المطبعة عن العمل في الدولة العثمانية عام 1743، وعاد العمل بنظام الكتبة والنسخ اليدوي، إلى أن دخلت المطبعة إلى الأراضي المصرية مع الحملة الفرنسية عام 1798.
ويحكى أن ملكة إنكلترا، إليزابيث الأولى، أصدرت مرسوماً، في القرن السادس عشر، بأن يرتدي أفراد الشعب غطاء رأس من التريكو، فقد كان الناس دائماً مشغولين بغطاء الرأس قبل القرن العشرين. وفي 1589 اخترع الإنكليزي، وليام لي، آلة لصناعة منتجات التريكو، واستطاع، بعد صعوبةٍ، أن يقابل الملكة ليقنعها باختراعه، ولتمنحه هي براءة الاختراع، لكنها رفضت اختراعه، بحجة أنه سيؤدي إلى البطالة والفقر والخراب، ما سيؤدي إلى عدم الاستقرار والثورات وتهديد العرش.

حدث أمر مشابه في إنكلترا في القرن السابع عشر، عندما نجحت المجموعات التي كانت تحتكر صناعة الصوف في استصدار قانون احتكار يحظر دفن الموتى في أي شيء آخر إلا الكفن الصوفي، وكذلك حظر ارتداء أي منسوجاتٍ من الحرير أو الأقمشة القطنية. وحدث أمر مشابه، عندما حطم البحارة وملاك السفن الشراعية وأغرقوا القارب البخاري الذي صنعه المخترع الفرنسي ديونيسيوس بابان عام 1705. اختلف الحال في إنكلترا، ثم في أوروبا، بعد الثورة الإنكليزية عام 1688، تم تقييد سلطات الملك وإعطاء سلطات أكبر للبرلمان وللأجهزة الرقابية، ثم ألغيت القوانين التي كانت ترسخ احتكار السلطة أو الصناعة أو التجارة أو التعليم، وبدأت الثورة الصناعية التي تزامنت مع التقدم والديمقراطية والنهضة الصناعية والتكنولوجية.
تعمّد كل الحكام المستبدين الذين قادوا أوطانهم نحو التخلف والدمار والخراب أن يظل الشعب جاهلا، وإن تعلم، لا يستطيع استخدام ما تعلمه في التفكير الذي يؤدي إلى الإبداع والابتكار. كان الخليفة أو السلطان العثماني كارهاً للطباعة ونشر العلم، وحريصاً على أن يكون الشعب جاهلا، فالمعرفة تؤدي إلى التفكير والنقد، وقد تؤدي إلى محاولة الإصلاح، ما قد يهدّد الحكم واستقراره. ليس مصادفةً أن يكون لدينا نظام تعليمي بهذا الغباء والتخلف يزيد الجهل، وينتج متعلمين صورياً، ولا أعتقد أنه إن أراد أحد تدميرنا أن يفعل أكثر مما تفعله الحكومات التي يختارها النظام الحاكم منذ أكثر من 60 عاماً، وليست مشكلة تسريب الامتحانات في مصر، أخيراً، السبب الرئيسي، وليس وزير التعليم هو السبب، لكنها العقلية التي تحكم البلد وتديره بأسلوبٍ لم يتغير منذ عشرات السنين.
إنها عقلية الاهتمام بالشكل وليس المضمون، الدورة الورقية والمستندية واللوائح وليس المحتوى، فالتعليم مجاني صورياً، ذلك أن لنجاح في المدارس الحكومية يتطلب دروساً خصوصية أو مجموعات، وربما هدايا للمدرّس، لكى يقوم بتعديل إجابات الطالب الذي لا يعي شيئاً مما يفترض أنه درسه. لذلك، لا عجب في أن يكون هناك حاصلون على الشهادة الابتدائية أو الإعدادية ولا يستطيع القراءة والكتابة، حتى المدارس الخاصة والجامعات الحكومية والخاصة لم تسلم من آفة الدروس الخصوصية، فالامتحان هو الهدف وليس وسيلة تقييم، والشهادة والورق هما الغاية الكبرى.
تلك العقلية التي تحكمنا تتعمّد "الترقيع" خوفاً من كلمة "الإصلاح"، والحفاظ على المنظومة هو الهدف كما قال الزعيم. لذلك، لا عجب أن يتم تقنين الدروس الخصوصية، وما يطلق عليها "السناتر"، على الرغم من أن الدروس الخصوصية هي العَرَض وليس المرض. وبمنطق السماح نفسه لفوضى الميكروباص والتكتوك، لأنه يداري عجز السلطة عن تنظيم أمور النقل والمرور، ويداري عجز السلطة عن توفير فرص عمل لائقة. وبمنطق السماح بعشوائية البناء لعلاج عجز توفير مساكن آدمية وأماكن سكنية منظمة، يتم التغاضي عن التعليم والتلقين خارج المدرسة لعلاج عجز المنظومة التعليمية، ولو صورياً، ولعلاج تدني رواتب المدرسين.
يحتاج الحاكم المستبد لتغييب الوعي ونشر الخرافة، حتى يصدّق الناس خرافات المؤامرات الكونية و"حروب الجيل الرابع". والحاكم المستبد دائما يكره بعض الكلمات والمصطلحات، ويعتبرها من خطط التآمر على الحكم، مثل "الإصلاح" ومشتقاتها، إصلاح منظومة التعليم، إصلاح المنظومة الأمنية، إصلاح منظومة التقاضي، إصلاح المنظومة الرقابية واستقلالها. ولذلك، تجد الحاكم المستبد وأجهزته يسعون، دائماً، إلى منع محاولات الإصلاح أو محاولات البحث عن بديل.
وبسبب أن المنظومة متخلفة وعقيمة، فهي دائما تفرم النوابغ والمبدعين وتحبطهم، فلا عجب من هجرة العقول والعلماء إلى الخارج، لأن البيئة غير ملائمة، فالمستبد يعمل على نشر الجهل والتخلف، وذلك أسوأ صور الخيانة.
DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017