الكونغرس يحقق غرض القاعدة من "11 سبتمبر"

الكونغرس يحقق غرض القاعدة من "11 سبتمبر"

15 سبتمبر 2016
+ الخط -
صوّت، في التاسع من سبتمبر/ أيلول الجاري، أعضاء مجلس النوّاب الأميركي بالإجماع على تمرير مشروع قانون يحمل اسم "العدالة ضد داعمي الإرهاب"، والذي يهدف إلى تعديل بعض المواد المتعلقة بالحصانة السيادية للدول الأجنبية، بحيث يسمح للمواطنين الأميركيين بمقاضاة أي دولةٍ في قضايا تتعلق بدعم الإرهاب وتمويله. لم يقرّ القانون بعد، فهو ينتظر موافقة البيت الأبيض، لكن حجم التأييد له في الكونغرس يشير إلى أنه حتى لو قرر البيت الأبيض نقضه، فإن الكونغرس يستطيع حشد أغلبية ساحقة لتمريره مرة أخرى. ما يثير السخرية أن الكونغرس، باسم محاربة الإرهاب، حقق، وبعد 15 سنة، أحد الأهداف الرئيسية للعمليات التي قام بها تنظيم القاعدة في نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر 2001.
حتى نستوعب حجم السخرية في الموضوع، يحسن، أولاً، فهم أهداف القاعدة من هجمات "11 سبتمبر". القاعدة تنظيم تشكّل من مجموعة من الجهاديين العرب المشاركين في حرب أفغانستان في عام 1988. في البداية، لم تكن للتنظيم أهداف واستراتيجية واضحة، لكن مجموعة من الأحداث (حرب الخليج وتوجه دول الخليج إلى استضافة قواعد أميركية عسكرية لحماية نفسها من هجوم مماثل للغزو العراقي للكويت، عملية "إعادة الأمل" الأميركية في الصومال، وغيرها) جعلت التنظيم يعتبر الوجود العسكري الأميركي في الجزيرة العربية احتلالا، ويعلن الجهاد ضد الولايات المتحدة، وذلك في الإعلان الذي أطلقه زعيم التنظيم أسامة بن لادن عام 1996.
بدأ التنظيم تنفيذ أهدافه عبر عملياتٍ ضد المصالح الأميركية هنا وهناك (كتفجير السفارتين في نيروبي ودار السلام عام 1998)، لكن العمليّة الأهمّ هي عملية "11 سبتمبر". لكن قبل الحديث عنها، لا بد من توضيح نقاط مهمة حول "العمليات الإرهابية" والمجهولة عادةً، بسبب التوظيف اليومي لمصطلح (الإرهاب) وشيطنته، وربطه بالدين والثقافة، ونزع أي بعد سياسي عنه. أول نقطة أنه في العلوم السياسية تُفهم "العملية الإرهابية" بوصفها رسالة، أي أن الهدف منها ليس القتل والتدمير، بل يتم اختيار هذا التدمير والقتل بشكل رمزي من أجل إيصال رسالةٍ محددة. يقول جينكينز أحد أهم المتخصصين في دراسة الحركات الإرهابية "يريد الإرهابيون قلّة من الناس موتى، والغالبية الساحقة منهم يشاهدونهم ويسمعونهم".
إذا كان العمل الإرهابي رمزياً في المقام الأول، فحتى نفهم أحداث "11 سبتمبر" علينا أن
نفهم المعنى الرمزي لها. العمليات موجهة ضد أبراج التجارة العالمية، رمز عظمة الاقتصاد الأميركي، ومبنى وزارة الدفاع الأميركي رمز القوّة العسكرية الأميركية، والهجمة الأخيرة الفاشلة يرجح أنها كانت متجهة نحو البيت الأبيض، رمز القوّة السياسية الأميركية. لكن هناك جانب رمزي آخر متعلّق بالمنفذين. فكلهم من دول تعتبرها القاعدة حليفة لأميركا (السعودية، مصر، الإمارات..)، لكن الغالبية الساحقة من المنفذين هم من السعودية. ليس الاختيار هنا عشوائياً، بل هو أحد الأجزاء الرئيسية من الرسالة: ضرب العلاقة السعودية الأميركية، عبر الدفع بمواطنين سعوديين لتنفيذ هذه الهجمات على أميركا.
في العامين اللذين أعقبا الضربات، أصيبت العلاقات الأميركية - السعودية بهزّة كبيرة، إلا أنه تم تجاوزها، لكن الطريقة التي تم تجاوز هذه الهزّة مهّدت الطريق إلى أن يحقق الكونغرس هدف القاعدة، بعد خمسة عشر عاماً من الهجمات. يمكن تلخيص هذه الطريقة بأن الحكومة السعودية حرصت على تأمين علاقتها بالحكومة الأميركية مع تجاهل للخطابات والأفكار والحركات الشعبية التي بدأت تنتشر في أوساط الشعب الأميركي.
في رسالته لنيل درجة، رصد أستاذ الأدب الإنكليزي، طارق الحيدر، هذا التحوّل في الخطاب الأميركي حول السعودية بعد "11 سبتمبر" في الأفلام والمسلسلات والأدب وغيرها. فهذه الهجمات فتحت نافذة لمجموعة متنوعة الأطياف (صهاينة، معادين لشركات النفط، يساريين، عملاء استخبارات، وغيرهم) للضغط من أجل تغيير السياسة الأميركية تجاه السعودية. ضمن هذا الخطاب، تم تشكيل صورة عامة للسعودية بلداً متخلفاً، متطرفاً دينيا، يستعبد النساء…إلخ. حتى المدافعون عن العلاقة الأميركية - السعودية في أميركا (من شركات نفط، ومسؤولين حكوميين، وغيرهم) يقوم دفاعهم على استخدام هذه الصورة السلبية عن المملكة، لتقديم الحكومة بأنها اللاعب الوحيد العقلاني، والإصلاحي، والذي، على الرغم مما فيه من مشكلات، إلا أنه أفضل الموجود.
منذ عام 2002، بدأت جهات عديدة (أسر الضحايا، شركات التأمين التي تكبّدت خسائر كثيرة، مكاتب محاماة، وغيرها من الجهات) بالدفع باتجاه رفع دعوى تعويض ضد السعودية، إلا أن المحكمة أسقطتها بحجة الحصانة السيادية، ثم أُسقطت مرة أخرى في عام 2008. ومن هنا، بدأت هذه الجهات بالضغط على المرشحين للدفع باتجاه تعديل القانون، ولأن القضية حسّاسة ومتعلقة بما يمثله يوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 من فاجعةٍ في التصور الشعبي الأميركي، فإنها تحوّلت إلى كنز رمزي، يمكن توظيفه من المرشحين للفوز بالانتخابات. لهذا، ليس عجيباً أن تكون السنة التي مرّر فيها هذا القانون هي سنة الانتخابات، فبعد شهرين، يتم التصويت على كل أعضاء مجلس النواب وثلث مجلس الشيوخ، وليس من مصلحة أيٍّ منهم أن يظهر بأنه لا يقف مع ضحايا "11 سبتمبر"، خصوصا وأن صورة السعودية بدأت تتعرّض لهجوم أكثر مع الربط المتكرّر بينها وبين انتشار الإرهاب.
كانت الديمقراطية المبرّر الشرعي الذي من خلاله أباح تنظيم القاعدة دماء المدنيين الأميركيين الذين استهدفهم في تلك الأحداث من أجل ضرب العلاقات السعودية - الأميركية، إلا أن ما يثير السخرية أن هذا الهدف احتاج لهذه الديمقراطية نفسها، حتى يتحقق ولو جزئياً.