الربيع لا يُزهر في الأندلس الضائعة

الربيع لا يُزهر في الأندلس الضائعة

13 سبتمبر 2016
+ الخط -
تفاجئنا الجيو­ سياسة دائماً، ونحن في معادلةٍ غير مريحة، غالباً ما تقترح علينا أعداءنا كأحسن الشركاء.
هكذا تبادر إلى ذهن كاتب هذه السطور، أمام ما أوردته صحيفة لوفيغارو الفرنسية، تحت سؤال كبير "التقارب الإسرائيلي العربي، هل هو في متناول اليد؟". هو سؤال لم يعد يطرح أية عقدة، بعد الربيع العربي أكثر من الفترة التي كانت عواصفه ما زالت في غِمْد السلطة القاهرة.
ومن سوء حظنا أن ما نعتقده محاولة عيشٍ ديمقراطية، من خلال الانتفاضات التي عرفتها شوارع عديدة، يراه غيرنا بوابةً للتطبيع مع أكبر عدو، وأكبر معضلة في عالم دول الشرق المتوسط وغربه، منذ ضياع الأندلس.
الربيع لا يزهر لفائدة الأندلس. هكذا تبدو الخلاصات التي تقدّم بها محللون عديدون، وقد تساءلوا: هل يمكن أن تقيم إسرائيل السلام مع الدول العربية بدون حل المشكلة الفلسطينية أولا؟ هذا السؤال هو حلم يميني كبير، يُعوّل فيه بنيامين نتنياهو على الضجر، (أينك يا محمود درويش؟) الذي بدأ يتسلل إلى أسرّة الضحايا والمقتولين من الشعوب، وبفعل "تغيير الأولويات الإقليمية"، كما بشّر به ياكوف أميرضور، الجنرال الاحتياطي الذي عمل مستشاراً لنتنياهو في شؤون الأمن القومي الإسرائيلي إلى حدود 2014.
هي ذي الحاسة الاستيطانية تعتبر أن العرب غيّروا أولوياتهم، بمجرد أن سمعوا بالربيع العربي، لإن إقامة النظام خير من الحرية في تقدير الاستراتيجيين النظاميين في دول الشرق.
ليس مهماً أن نعيد التذكير بأن الشارع العربي لم يخرج من أجل بناء دولة جديدة، إلا بعد أن كانت الدولة القديمة قد فشلت في الديمقراطية، وفي التحرير، وفي العدالة الاجتماعية، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية، لكن هذا الشارع اتضح أنه جدّد خارطة قديمة لدولٍ محرّرة، بدون أن يضع شرط الحرية القديم أولوية لفلسطين لكي يكتمل "الحظ".
ترى إسرائيل أن الشرط الأساسي لتحرير فلسطين هو تقوية التعاون معها، هو أن تنسى شعوب الشرق المتوسط وغربه أنها العدو، إلى حين تكتمل الصداقة العربية الإسرائيلية على قاعدة السهو التاريخي.
انسوا فلسطين قليلاً، لكي تستعيدوها كاملةً، بعد أن أصبحت صديقتكم هي ذي الحكمة الاستراتيجية الإسرائيلية، والتي تسميها "خلق محيط مناسب ومشجع على تسوية المشكلة"، بلغة مراسل "لوفيغارو" في القدس المحتلة، سيريل لويس.
وتبدو الحكمة الإسرائيلية متكاملة الأركان، ما دامت الشعوب منسية، بعد الربيع في بناء حظها كاملا، من الحرية السياسية داخل أوطانها، فلا شيء يجعلها مستعجلةً على حرية فلسطين. وبمعنى آخر، الربيع، كمحاولة عربية في امتهان الديمقراطية، لن يمر بالقدس، إلا بعد أن تكون إسرائيل قد صارت حليفاً للعرب.
حتى ما كان العرب قد اتفقوا عليه في العام 2002، تحت مسمى المبادرة العربية للسلام، لم يعد هو السقف الذي يشكل أفق الشرق الأوسط، بل صار العالم يسير على رأسه.
تخلى الحليف الأميركي عن دول الصداقة الخليجية، والشرق أوسطية، لكن الدول المعنية ما زالت تعتبر أن التحالف مع إسرائيل الطريقة الوحيدة في استعادته، والطريقة الوحيدة في الرد على "الدولة الإسلامية" (داعش) التي تهدّد دول المنطقة، وهي الطريقة أيضا في وقف التعاون الإيراني الغربي، منذ توقيع الاتفاق النووي، والذي ظلت إسرائيل تعارضه إلى نهاية المنطق.
لقد أقنعت إسرائيل، على لسان ياكوف أميضور (انظر "الفيغارو" عدد الإثنين 5 سبتمبر الجاري)، دولاً شرق أوسطية أنها الوحيدة التي ترفع عنها الصداع الذي نشرته العاصفة الربيعية، و"السلبية الأميركية" في وقت خطير للغاية.. في مقابل صداقة تقبر قضية العرب والمسلمين، وتضاعف الأندلس في مخيلتهم.

768EA96E-E08E-4A79-B950-D8980EE5911C
عبد الحميد اجماهيري

كاتب وشاعر وصحفي مغربي، مدير تحرير صحيفة الاتحاد المغربية، مواليد 1963، عمل في صحيفتين بالفرنسية، من كتبه "أوفقير .. العائلة والدم.. عن انقلاب 1972"، ترجم كتابا عن معتقل تازمامارت. مسوول في فدرالية الناشرين المغاربة.