رسائل حلب

رسائل حلب

08 اغسطس 2016
+ الخط -
رسائل كثيرة يمكن قراءتها من معركة حلب، ونتج عنها فكّ الحصار عن المناطق التي تقع تحت سيطرة الثوار، وتحرير أخرى من يد النظام، لا سيما التي تزخر بالسلاح والعتاد والوجود العسكري المكثف للنظام ومليشيات إيران (الراموسة).
ليست هذه الرسائل عسكرية فقط، إذ تنوّعت معانيها، سياسية واجتماعية وداخلية وخارجية، وإن كان النصر العسكري أبرزها، بسبب تبجّح النظام، على مدار الأيام التي سبقت المعركة، بفرضه حصاراً محكماً، وادعائه بأن طريقه سالك إلى كل مناطق حلب، خصوصاً بعد سيطرته على طريق "الكاستلو"، وقطعه التواصل بين شرق حلب والشمال السوري على الحدود مع تركيا، مع ما يعنيه ذلك من مكاسب سياسية ومعنوية أمام المجتمع الدولي، وأمام مؤيديه في الداخل.
الرسالة الأولى ذات الطابع العسكري، أن اعتماد النظام على تفرّق فصائل المعارضة المسلحة مجرّد وهم، إذ استطاعت هذه الفصائل تبديده بسرعة لافتة، عندما أجمعت على كلمة واحدة، وخففت من منازعاتها أو من حظوظ نفسها من أجل المصلحة العامة، ولمصلحة حظوظ المعركة بكل تفاصيلها. الأهم أن هذه الرسالة كشفت، مجدّداً، عن أن استقواء النظام بحليفيه، الروسي والإيراني، لم ولن يضمنا له البقاء والاستمرار، لأن ذلك مرهون أيضاً ببقاء هذين الحليفين مرتبطين بالمصالح والأجندات نفسها، بيد أن ما يحدث على الساحات، الدولية والإقليمية والمحلية، يؤكد أن هذا الأمر غير ثابت، وهو في تحوّلٍ مستمر، لم يفطن النظام له، على ما يبدو، إلا وهو يلقّن درس حلب العميق جداً في اللعبة الدولية، وفي لعبة الصراع على سورية. ويمكن التدليل على ذلك بواقع أن روسيا أشاحت بوجهها قليلا في هذه المعركة، بعد أن كانت حاضرة في الصراع العسكري أداة رئيسية لحسم أية معركةٍ يخوضها النظام وإيران في حربهما ضد الشعب السوري. فهذه هي روسيا نفسها التي فرضت نفسها لاعباً رئيسياً في الصراع السوري، برضا بقية الأطراف الدولية والإقليمية وتوافقها، وتصدّرت المشهد السياسي أيضاً راعياً للعملية التفاوضية بالضد من مصالح حليفيها (النظامين السوري والإيراني)، على ما بات يظهر، أخيراً.
لتركيا أيضا رسالتها في هذا الإطار، إذ إنها، على الرغم من تعقيدات أوضاعها الداخلية، أثبتت أن لديها قدرة عالية على التحرك وانتزاع زمام المبادرة وتعزيز مكانتها في الصراع السوري، وتوسيع حصة حضورها في هذا الملف، وتفويتها كل محاولات تحجيم هذا الدور. أيضاً، ثمة وجه آخر لمعركة حلب بالنسبة لتركيا، إذ شكلت نوعاً من دفاعٍ عن حدودها التي طالما رغبت في أن تكون آمنةً، وليست معبراً لأجنداتٍ قد تنعكس على واقعها الداخلي، فتزيد من عبء مواجهتها مشاريع انقلابية، لا تزال تحت الرماد، وإن بدت قادرةً على معالجتها والقفز فوقها.
إضافة إلى كل ما تقدم، يفترض أن نلاحظ أن ملفاً جديداً في التفاهمات المصلحية الكبرى بين كل من تركيا وروسيا، عدا عن تكامل اقتصاديهما، ووجود نوعٍ من التفاهمات المشتركة في المجال الأمني، يتمثل في ظهور نوع من التقاطع في الصراع السوري، لجهة الحد من نفوذ إيران في هذا البلد، إذ ترى روسيا أنها الوصية على النظام السوري، وليس إيران، وهذا التقاطع مرشح للازدياد، بقدر ازدياد التباين بين سياسات روسيا وإيران في سورية.
أما الولايات المتحدة الأميركية، فهي في صمتها المريب تجاه ما يحدث في سورية شريكة وفاعلة في هذه المعركة، ولو بالصمت تجاه توسّع الدور التركي، والتقارب مع الروس في الملف السوري. ومن جهةٍ أخرى، بإعطاء درس لإيران والنظام وروسيا أن قدرة تحريك المعارك وتقرير معادلات الصراع في سورية ما تزال خاضعةً، إما للقبول الأميركي أو للصمت عنه.
الرسالة الأوسع والأهم، هنا، هي رسالة الثوار إلى الشعب السوري، ومفادها بأن مخزون الثورة لم ينضب، وأن إرادة الثوار لا تزال حرة، وأنهم قادرون على لمّ صفوفهم، وتجاوز عصبياتهم ومشاريعهم الصغيرة لمصلحة مشروع كبير، هو سورية الدولة الديمقراطية، على الرغم من أصواتٍ، من داخل المعركة أو من خارجها، تحاول التشويش وإثارة الشبهات حول هذا الإنجاز الوطني، وبشأن صدقية ثورة السوريين.
الرسالة الأخيرة هي للمجتمع الدولي الذي استمرأ المناورة عند خسائر المعارضة للضغط عليها بالذهاب إلى طاولة التفاوض، للرضوخ إلى مشاريع مشبوهة، تبدّد مشروعنا الوطني بسورية واحدة قوية وديمقراطية، تمنح الأفراد والقوميات حقوقهم، على قاعدة أن الحرية لا تتجزّأ.
هكذا معركة حلب، خيارها أن تكون بمثابة "طريق الحرير" إلى جنيف، نحو الحل السياسي الحقيقي، على الضد من خيار النظام المتشبث بالحل الأمني، وفتح البلد على مصراعيه للقوى الأجنبية، في صراعٍ لا ينتج إلا الموت والخراب.

930EB9D8-8BB0-4CDA-8954-FE630C4A380F
سميرة المسالمة

كاتبة وصحافية سورية، رئيسة تحرير جريدة تشرين سابقاً، نائب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية