نظام "لعب العيال"

نظام "لعب العيال"

04 اغسطس 2016
+ الخط -
تفجّر النكتة تلك التقابلية المعهودة، بأن لعب العيال لا يصح التعامل معه إلا بلعب العيال، وبآليته وعبطه، لكي يتقابل العبطان على المائدة، فيكون الضحك، رغما عن أنف الواقع والعقل والمنطق، ودع الدولة جانباً ونظامها، هذا إن كان هناك ذلك النظام، طالما دخلنا في (نط الحبل) ولعبة البلي وشغل الأتاري.
النكتة سلاح الشامتين، والمقهورين أيضاً، والمهمَّشين والمبعَدين عن فساد المشهد وضلاله. سلاح الهامش الخفيف، أمام المتن المتزن ظاهرياً بواسطة لعبة الأكاذيب في ليل الملك، سلاح الهامش الخفيف في وجه المتن المخادِع بمظاهر المُلك، وآليات السيطرة المدعومة بأكاذيب الميديا، ورونقها مساء في البرامج الناعمة، في تلك المنطقة الناعمة من الأكاذيب ترد النكتة بلباقة الضحك في الهامش على المتن الثقيل التكلفة والدم أيضاً، وتردّ على تيبُّس الروح في لحظات الطغيان، وما أكثرها.
فما بالك لو دخل المتن المتزن الثقيل في نطاق الخفة الذي هو ليس نطاقة أصلاً، ولا مقامه الرفيع، وحاول استدعاء دم حفيف غير مؤهل للجريان في عروقه؟ حينئذٍ، ترد النكتة بما هو رادع، والنكتة ببساطة تتلخص في: (أن وفداً من الشعب المصري ذهب إلى السيد الرئيس، وأخذوه على جنب، وقالوا له: إن سعر الذهب قد وصل هذه الأيام إلى 500 جنيه، وأن الحاجة زينب عاوزه حلقها)، فطالما دخل النظام في لعب العيال، لتعويض قتل السياسة على الأرض وتجريفها، كي يجبر عثراته بلوازم فكاهية على غرار "ساعة لقلبك"، مستعيناً ببعض نِمَر الكومبارس في السينما المصرية، وبدمعاتٍ ممسرحةٍ تترقرق من عيون الرئيس أمام الكاميرا، فإن الهامش الضاحك والساخر على الجانب الآخر من المشهد يرد، هو الآخر، بلوازم الضحك ولعب العيال على "مسرحية المتن"، ومن داخل طبيعة الهامش وآلياته، طالما دخل المتن على الهامش بليلٍ بليد، مستعيناً ببعض فقراته التمثيلية، فحينما يعطي البسيط أو الفقير شيئاً، ثم يحتاجه فيما بعد، فيتراجع فيما أعطاه ضاحكاً، ويقول مأثرته الشعبية: (اللي يعوزه البيت، يحرم على الجامع)، فما بالك والجامع هو رئيسٌ يدعو شعبه إلى تحمّل الجوع، ثم يشتري "الميسترال" و"إف 16" إلخ، بل ويتمادى في الجبروت، حتى يلقي القبض على قائد الأسطول الأميركي البحري في مضيق جبل طارق؟
حينما تتحول السلطة إلى (فقيرة حيل وألاعيب)، يتحوّل الشعب أيضاً إلى (ثري أضحاك ومسخرة) على تلك السلطة التي خابت في جبر خاطر نفسها (بحلق الحاجة زينب)، وهو جبر رمزيٌّ بالطبع، وليس مادياً، لكنه يمثل دجلاً سياسياً مفضوحاً، تخجل منه الركبان، ولا سبيل لفضحه سوى بالضحك عليه، والضحك بالطبع يأخذ شكل (المعْيَلة)، وهو الرجوع في الكلام، أي الرجوع في العطاء، لفضح مقاصد الأُعطية (الملعوبة بغباء وعبط)، وفضح تسويقها إعلامياً أيضا، وهو ما تنبّهت له الرئاسة، فأوقفوا مهزلة (إعلان الحلق نهائيا)، فضح محبة زائفة أسبغتها السلطة على نفسها بليل.
نحن أمام شعب (كهين) يضحك على السلطة التي حاولت أن تضحك عليه برمزية الحلق، ومدى رمزيته ودلاله على المرأة خصوصاً، وهو زينة أذنيها، فعلى الرغم من أنها لا تملك سواه، قال، فهي تمنحه راضيةً للسلطة، والهامش يرد بأن الذهب، بعدما وصل إلى حدود ال (500 جنيه) فهو يريد أن يرجع الحلق إلى الحاجة زينب مرة أخرى، (واللي يعوزه البيت يحرم على الجامع)، طالما أن الرئيس يطالبنا بالجوع وعدم النوم.
تناكف السلطة في الخفاء، لكي تشبع نفسها غروراً ومشروعيةً ليست لها، والهامش يناكف (بالضحك)، كي يسبغ على السلطة (معْيلة)، (والحبل على الجرّار طويل).