"الفساد" مؤذن بخراب العمران

"الفساد" مؤذن بخراب العمران

29 اغسطس 2016
+ الخط -
قامت ثورات عام 2011 في البلدان العربية على الظلم والفقر والجوع والعوز وعدم المساواة والاضطهاد، بالإضافة إلى "الفساد" الذي تصدّر هتافات "الشباب" المهمّشة آنذاك، هذا قبل "شيطنتهم"، وقبل تحويل مسار "الهبة الشعبية" برمتها إلى ما آلت إليه الأحداث الآن.
وعلى الرغم من الخراب والدماء التي سالت، إلا أنّ الفساد ما يزالُ متفشيًّا في أغلب البلدان العربية، وفقاً لتقرير نشرته منظمة الشفافية الدولية المعنية بالفساد، في مايو/ أيار 2016، المستند إلى دراسةٍ مسحية نُفذت في تسعة بلدان عربية: الجزائر ومصر والأردن ولبنان والمغرب وفلسطين والسودان وتونس واليمن، وشملت مقابلاتٍ مع نحو عشرة آلاف شخص.
ومن النتائج الأساسية، والمهمة في الوقت نفسه، أنّ 61% من المواطنيين في البلدان الآنفة الذكر، أفادوا بأنّ الفساد ازداد خلال الشهور الـ 12 أخيراً، بل وصلت النسبة في لبنان إلى 92%، وفي اليمن إلى 84%، والأردن 75%، وفلسطين 70%، الأمر الذي يدفع إلى دق ناقوس الخطر، لأنّ الأرقام تبيّن مدى حجم المأساة التي تعاني منها الشعوب العربية.
وفيما يتعلّق بالجهات الحكومية التي يتخلّلها الفساد، تبيّن أنّ المسؤولين الحكوميين، ومسؤولي الضريبة، وأعضاء البرلمان، هم الأكثر فساداً وبنسبة 45%، ثم أتى بعدهم جهات كهيئات الحكم المحلي، ورجال الأعمال، والشرطة، ومكتب الرئاسة، والقضاة.
من الأسئلة التي طُرحت على العينة، هي فيما إذا تواصلوا مع ست خدمات عامة أساسية (المدراس الحكومية، المستشفيات والعيادات الحكومية، الوثائق الشخصية، الخدمات الحيوية، الشرطة، المحاكم) خلال الـ 12 شهراً الماضية، ودفعوا رشوة، أجابت نسبة 30% بنعم، وهذا يعني استناداً على معدلات الرشوة في كلِّ دولة وعدد السكان البالغين، فإن هذه النسبة تعادل 50 مليون شخص.
الكارثة الكبرى أنّ "المحاكم" سجلت أعلى معدل لدفع الرشوة بين القطاعات الخدمية المستهدفة، حيث وصل إلى 31% تليها الشرطة بنسبة 27%، وهذا يؤكد لنا الظلم الكبير الذي تقع فيه "الطبقة الكادحة" في حال اضطروا إلى مراجعة ما تسمى سلطة "العدالة والقانون" التي من شأنها تضرب بـ "القسم" عرض الحائط، مقابل "حفنة" من دولارات الفاسدين وسرّاق المال العام.
وتصدّرت فئة الشباب الطبقات الاجتماعية الأكثر تضرراً من الفساد، فجاءت بنسبة 33% للفئة العمرية من 18-34 عاماً، و30% للفئة العمرية من 35- 54، و22% للفئة العمرية ما فوق 55 سنة.
إضافةً إلى أنّ ثلث الرجال دفعوا رشوة، مقارنة بربع النساء؛ بسبب طبيعة المجتمعات العربية التي تتصف بالذكورية، فالرجل هو الأكثر احتكاكاً مع الدوائر الحكومية والخدمات التي تقدّمها.
ثمّة تساؤل مهم طرحته الدراسة المسحية، بخصوص الأسباب التي تقفُ حائلاً أمام عدم الإبلاغ عن حالات الفساد المستشرية في البلدان العربية، فأجابت العينة بنسبة 30% خوفاً من العواقب، و19% إن الإبلاغ لا يُحدث فارقاً.
في نهاية الدراسة، خرجت المنظمة غير الربحية بتوصياتٍ وجهتها إلى رؤساء الدول المعنية وحكوماتهم الموقرة ومنها، تكثيف الجهود ضد الفساد، وتفعيل جهود مكافحة الفساد، ومكافحة الفساد في القطاع العام، ووقف الرشوة في الخدمات العامة، وإدماج المواطنين في محاربة الفساد وتطوير آليات الإبلاع، والكثير من التفاصيل التي تمنحنا حلولاً لمواجهة "وباء الفساد"، هذا إن كنّا جادين بما فيه الكفاية.
يقول ابن خلدون: "الظلم مؤذن بخراب العمران"، لكن واقعنا المأساوي يحتم علينا القول: "الفساد مؤذن بخراب العمران"، فالفساد أشدُ ظلماً وفتكاً وقهراً من أيِّ شيءٍ أخر.
5ADE5A47-E143-4BFB-9A04-F3543E66FC8B
5ADE5A47-E143-4BFB-9A04-F3543E66FC8B
بشير الكبيسي (العراق)
بشير الكبيسي (العراق)