جدوى الانتخابات البلدية الفلسطينية

جدوى الانتخابات البلدية الفلسطينية

29 اغسطس 2016
+ الخط -
طرحت الانتخابات البلدية، المزمع إجراؤها في الضفة الغربية وقطاع غزة في الثامن والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، تساؤلاً محقاً بشأن مستقبل النظام السياسي الذي تشكل بعد إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، فقد كانت اتفاقية أوسلو في 13 سبتمبر/ أيلول 1993 مقدمة لتحولاتٍ نوعية في التجربة السياسية الفلسطينية، لتصبح حركة فتح حزب السلطة الوطنية، بعد أن كانت، منذ 1969، حزب الثورة خارج فلسطين في إطار منظمة التحرير، الأمر الذي أدّى إلى كسر قاعدة التمثيل السياسي الشامل الذي تبنته المنظمة التي اعتُبرت منذ 1974 الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.
ويمكن الجزم إنه لا جدوى حقيقية من انتخاب مجالس بلدية في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تعتبر المؤسسة الإسرائيلية السلطة الفلسطينية بشكل عام، وكذلك المجالس، مجرد أدواتٍ لتخفيف التكلفة والعبء على الاحتلال، في ظل عدم الاستقلال الوطني الفلسطيني بالمعنى الحقيقي للكلمة. فمن باب أوْلى، عقد مصالحة فلسطينية، والاتفاق على استراتيجيةٍ سياسيةٍ لمواجهة السياسات الإسرائيلية التي تعصف بالقضية الفلسطينية، ومن ثم العمل على ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، وإعادة هيكلة منظمة التحرير، وفق أولوياتٍ تمليها المصلحة الوطنية، بعد فشل الأجندات الضيقة للأحزاب والفصائل الفلسطينية، وفشل حل الدولتين إثر مفاوضات استمرت أكثر من عقدين.
والثابت أن الشعب الفلسطيني عانى، منذ صيف عام 2007، من تداعيات الانقسام الحاد بين حركتي فتح وحماس. وعلى الرغم من الحديث المتكرّر عن إنهاء هذا الحال، بعد تشكيل حكومة التوافق، برئاسة رامي الحمد الله، إلا أن معوقاتٍ أساسيةٍ تحول دون ترسيخ مصالحة حقيقية، منها الضغوط الخارجية وغياب القوة الصامتة عن توقيع الاتفاق، وبالتالي الشراكة السياسية، ومحاولة أصحاب المصالح والامتيازات التي تولدت بفعل تداعيات الانقسام الإبقاء على الجغرافيا السياسية المستحدثة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، فضلاً عن المصالح الضيقة التي فرضتها التحولات في المشهد العربي، وانسداد أفق المفاوضات مع إسرائيل.

وعلى الرغم من تشكيل قوة ثالثة من خمسة فصائل وأحزاب يسارية فلسطينية، لخوض انتخابات المجالس المحلية في الضفة والقطاع، جنباً إلى جنب مع حركتي فتح وحماس، إلا أن المتابع يفسر ذلك بمثابة عملية تكيّف، وإدارة أزمة لحالة الانقسام الذي امتد تسع سنوات، في وقتٍ يتطلب فيه الظرف السياسي الوحدة الوطنية، لمواجهة التحدّيات المحدقة بالقضية الفلسطينية بتفاصيلها المختلفة. فمن جهةٍ، استصدرت إسرائيل حزمة قراراتٍ من شأنها الإطباق على مدينة القدس، وكان جديدها قرار تهويد التعليم في المدينة. وجعلت من النشاط الاستيطاني العنوان الأبرز في سياساتها اليومية، ما أدى إلى سيطرةٍ كبيرةٍ على أراضي الضفة الغربية لصالح 151 مستوطنة، يعيش فيها أكثر من خمسمائة ألف يهودي.
وإلى ذلك، أصبحت مؤشرات البؤس هي السائدة بين الفلسطينيين، فقد وصلت معدلات البطالة إلى نحو 60% في قطاع غزة، ونتيجة ذلك باتت الخيارات التعليمية والصحية ضعيفةً، فمن أصل مليون وستمائة ألف فلسطيني في القطاع يعيش 60% تحت خط الفقر.
ويبدو المشهد السياسي الفلسطيني رمادياً مع استمرار حالة الانقسام على الأرض، وعدم وجود إرادة سياسية صادقة لإنهائه، وبات ضرورياً تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الضيقة للفصائل، خصوصاً مع انكشاف صورة إسرائيل العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، في الضفة والقطاع، أو إزاء الفلسطينيين في الأراضي المحتلة في 1948.
ولا يمكن أن تكتمل دائرة المصالحة الحقيقية، من دون مشاركةٍ واسعةٍ من الأغلبية الصامتة من الفلسطينيين في الداخل والشتات، أي الفعاليات السياسية والاقتصادية ومنظمات المجتمع المدني والأكاديميين. وبذلك، يمكن الحديث عن إمكان القيام بدور فعّال للقوى والفصائل، لجهة حماية المشروع الوطني، ورسم مستقبل الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه الثابتة.
الأجدى عقد مصالحة حقيقية جامعة للكل الفلسطيني، عوضاً عن مناكفاتٍ غرضها إدارة الأزمة، كالانتخابات البلدية المقبلة، وسيكون ذلك بمثابة طوق نجاةٍ للحدّ من الضغوط الإسرائيلية والأميركية على الفلسطينيين، ويرفع، في الوقت نفسه، من سقف الخطاب السياسي الفلسطيني، بعد مفاوضاتٍ عبثية امتدت أكثر من عقدين، بحيث يكون ميسوراً المطالبة بتفكيك معالم الاحتلال، ومنها المستوطنات، عوضاً عن تجميدها، وكذلك تمكن المطالبة بتطبيق قراراتٍ دوليةٍ صادرة بشأن الحقوق الفلسطينية، ومنها القرارات المتعلقة بالأسرى، والسيادة على المياه الفلسطينية التي تسيطر عليها إسرائيل، واعتبار المستوطنات في الضفة الغربية، بما فيها القدس، غير شرعية، وضرورة المطالبة بتطبيق القرارات الأممية القاضية بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.
ويبقى القول إن التحديات الجمة التي تواجه المشروع الوطني الفلسطيني تتطلب الإسراع بعقد مصالحة حقيقية، بحيث يشارك فيها الكل الفلسطيني، لإنهاء حالة الانقسام، بدلاً من إدارة الأزمة ومن تطور كيانين، ومن ثم رسم سياسة كفاحية مشتركة، بعد مفاوضات طويلة وبائسة مع إسرائيل لم تفض إلى دولة فلسطينية.