القمة العربية.. خيمة وغناء

غادرت وفود الدول العربية المشاركة في القمة 27 بلاد شنقيط، وخرجوا بانطباعات مزدحمة حول بلد المليون شاعر الذي تحوّل فجأة إلى بلد المليون مغن ومطرب، فأمام أنظار عشرات المؤتمرين لم تتوقف آلة الطرب الموريتانية، ولم تهدأ حناجر المطربات والمطربين، والتي تصدح بأروع الأغانى الموريتانية.
وأمام اهتمام إعلامي ضعيف، ومشاركة محتشمة للدول العربية، جلبت الأغنية الموريتانية عشاقاً جدداً، استمتعوا بأشعار ورقصات فلكلورية تقليدية وعصرية، ولسان حالهم يردّد: نريد أفعالاً لا كلاماً.
انتهت القمة العربية التي بعثرت أوراق العلاقات الدولية، إذ حلّت المشكلات العالقة، ولا سيما إنهاء الحرب الأهلية في العراق، وتوّحد بعد المؤتمر سنة العراق وشيعته، وتوافق الكرد والعرب في إطار دولةٍ وطنية، وأسقط بعد قرارات المؤتمر نظام الأسد، وعادت الأمور إلى طبيعتها في سورية، بل وتمكّن العرب من إحراج إسرائيل أممياً وتهديد استيطانها.
وخرج العرب من مؤتمر الخيمة قوة وحدة وتضامن، ذلك طبعاً ما كانت حناجر المغنيين والشعراء تردّدها، وتلوكها ألسنة العامة.
وألهبت قمة الخيمة شعراء نواكشوط، فلم يتوقفوا عن ترديد شعارات الوحدة، وكأنّ الحضور قد انبعثوا من جديد من عالم عبد الناصر والقومية العربية الميتة. إنّها طبعاً قمة الأمل، وأيّ أمل في ظل التشرذم والانقسام والخلاف والصراع؟ وأي أمل ينبعث من رماد الفقر المدقع في بلدان كموريتانيا واليمن، وحروب أهلية تعاني منها سورية والعراق وفوضى السلاح في ليبيا، وواقع الانهيار الاقتصادى يهدّد مصر السيسي؟
قمّة الخيمة تضاف إلى قمم أنظمة متصالحة مع التخلف والاستبداد، فلا الخيمة تنفع، ولا حتى جمالية أصوات شبيبات موريتانيا، ولا رقصات الراقصين، فالواقع العربي المرّ تختزله نظرة واحدة لحالة موريتانيا، فهي وحدها نالت الاستقلال منذ عقود، ثم كانت الخيمة لانعقاد القمة العربية المجال الرحب الواسع في دلالتها الرمزية.
اختيار الخيمة لعقد مؤتمر القمة 27 لم يكن عبثاً، بل إنّ رمزيتها تكمن في أنها تمثل مساراَ تاريخياَ وسياسياَ واقتصادياَ، فمن الخيمة أعلن المختار ولد داداه استقلال البلاد من المستعمر الفرنسي، وبعد سنوات طويلة تبقى الخيمة هي هي.
البلاد التي اختارت الخيمة لإعلان الاستقلال هي نفسها تضع الخيمة مكاناً لعقد القمة، وهذا ليس ترفاً ولا حباً في إيقاظ التراث وتشجيعه، وإنما تلبية لإكراهات تعاني منها البلاد، فالاقتصاد والبناء الاجتماعي متخلّف ومتصدّع، وما هو سياسي تتحكّم فيه القبيلة ولوبيات المستعمر.